الإمام المجتبى عليه السلام كأبيه المرتضى وجدّه المصطفى قائد مبدئي تتلخّص مهمّاته القياديّة في كلمة موجزة ذات معنىً واسع وأبعاد شتّى هي : « الهداية بأمر الله تعالى » إنطلاقاً من قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) .
والهداية بأمر الله سبحانه تتجلّى في تبيان الشريعة وتقديم تفاصيل الأحكام العامّة أو المطلقة التي نصّ عليها القرآن الكريم والرسول العظيم ، كما تتجلّى في تفسير القرآن الحكيم وإيضاح مقاصد الرسول الكريم.
وتتجلّى الهداية في تطبيق أحكام الله تعالى على الأُمّة المسلمة وصيانة الشريعة والنصوص الإلهيّة من أيّ تحريف أو تحوير يتصدّى له الضالّون المضلّون.
والثورة التي فجّرها الإسلام العظيم هي ثورة ثقافيّة قبل أن تكون ثورة إجتماعيّة أو إقتصاديّة ، فلا غرو أن تجد الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام يفرّغون أنفسهم لتربية الأُمّة وتثقيفها على مفاهيم الرسالة وقيمها ، وهم يرون أنّ مهمّتهم الأُولى هي التربية والتثقيف إنطلاقاً من النصّ القرآني الصريح في بيان أهداف الرسالة والرسول الذي يرى الإمام نفسه إستمراراً له وقيّماً على ما أثمرته جهود الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من « رسالة » و « أُمّة » و « دولة » ، قال تعالى مفصِّلاً لأهداف الرسالة ومهمّات الرسول : ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (2).
ولئن غضّ الإمام المجتبى الطرف عن الخلافة لأسباب دينيّة ومبدئيّة ؛ فهو لم يترك الساحة ومواريث الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لتنهب بأيدي الجاهلييّن ، بل نجده قد تصدّى لتربية القاعدة التي على أساسها تقوم الدولة وعليها تطبّق أحكام الشريعة.
وقد خلّف الإمام المجتبى تراثاً فكريّاً وعلميّاً ثرّاً من خلال ما قدّمه من نصوص للأُمّة الإسلاميّة على شكل خطب أو وصايا أو إحتجاجات أو رسائل أو أحاديث وصلتنا في فروع المعرفة المختلفة ، ممّا يكشف عن تنوّع إهتمامات الإمام الحسن وسعة علمه وإحاطته بمتطلّبات المرحلة التي كانت تعيشها الأُمّة المسلمة في عصره المحفوف بالفتن والدواهي التي قلّ فيها من كان يعي طبيعة المرحلة ومتطلّباتها إلّا أن يكون محفوفاً برعاية الله وتسديده.
الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 142
🔴⚫🔴⚫🔴⚫
🔴⚫⚫