بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
اٰللـــٌٰـهٌمٓ صَلِّ عٓـلٰىٰ مُحَمَّدٍ وُاّلِ مُحَمَّدٍ
السَلآْمُ عَلْيُكّمٌ ورحَمُةّ الله وبُركآتُهْ
قَالَ أميرُ المؤمنينَ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): ( فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى، وَبَصِيرَةُ مَنِ اهْتَدَى، وسِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُهُ، وَشِهَابٌ سَطَعَ نُورُهُ وَزَنْدٌ بَرَقَ لَـمْعُهُ; سِيرَتُهُ الْقَصْدُ، وَسُنَّتُهُ الرُّشْدُ، وَكَلاَمُهُ الْفَصْلُ، وَحُكْمُهُ الْعَدْلُ; أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَترَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَهَفْوَةٍ عَنِ الْعَمَلِ، وَغَبَاوَةٍ مِنَ الأُمَمِ )، نهجُ البَلاغَةِ، 183
أَرْسَلَهُ عَلىٰ حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ:-
الفَتْرَةُ : فهيَ تَعني في الأصلِ الهُدوءُ والسَّكينَةُ كَمَا تُطلَقُ علَى الفَاصلَةِ الزَّمنيَّةِ بينَ حَركتينِ أو جِهدينِ أو نَهضتينِ أو ثَورتينِ .
« الرِّسَالَةُ » بالكَسْرِ ، لُغَةً : إسْمٌ مِنَ الإرسَالِ وهوَ التَّوجيهُ ، وعُرفاً تَكليفُ اللهِ تَعالَى بعضَ عِبادِهِ بِواسطَةِ مَلَكٍ يُشاهدَهُ ويُشافهَهُ أنْ يَدعوَ الخَلقَ إليِهِ ويُبلِّغَهُم أحكَامَهُ ، وقدْ تُطلَقُ علَى نَفسِ الأحكامِ المُرسَلُ بِهَا.
وعليهِ عَلىٰ حِينِ فَتْرَةٍ أي مَا بينَ الرَّسولينِ مِنْ رُسلِ اللهِ تَعالَى منَ الزَّمانِ الّذي إنقطعتْ فيهِ الرِّسالَةُ ومنْهُ «فترةُ مَا بينَ عيسَى وَمُحَمَّدٍ (عَلَيْهِمَا الصّلاة السَّلاَمُ) » هكذا ذَكرَهُ إبنُ الأثيرِ. النهاية لإبن الأثير : ج 3 ، ص 408.
وفي شَرحِ إبنِ أبي الحَديدِ : الفَترةُ بينَ الرُّسِلِ : إنقطاعُ الرِّسالَةِ والوَحي ، وكذلكَ كانَ إرسالُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لأنَّ بينَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وبينَ عَهدِ المَسيحِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عهداً طويلاً أكثَرُ آراءِ النَّاسِ علَى أنَّهُ سِتُّمَائَةُ سَنَةٍ ولَمْ يُرسَلُ في تلكَ المُدَّةِ رَسولٌ . شرحُ نهجِ البَلاغَةِ لإبنِ أبي الحَديدِ ، ج 6 ، ص 388.
فَفَي هذهِ الفَترَةِ الخَاليَّةِ مِنَ الرَّسولِ إنحرفَتْ الاُمّةُ عنْ مَسيرَهَا الدِّينيِّ والأخلاقيِّ الموجبُ لِنَشرِ الظُّلمِ والعُدوانِ والقَتْلِ والطَّردِ فحينئذٍ تَحتاجُ الاُمّةُ إلَى قوانينَ جديدَةٍ حكيمَةٍ لِنَظمِ أمورِهِم المُوجبُ لِبعثَةِ رسولٍ لَهُم .
لِقَولِهِ تَعَالَى في الكِتابِ المَجيدِ: ﴿ يَـأَهْلَ الْكِتَـبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَة مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَآءَنَا مِن بَشِير وَلاَ نَذِير فَقَدْ جَآءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ ﴾، سُورَةُ المَائِدَةِ ، الآية : 19.
تُكرَّرُ هذهِ الآيةُ الخَطابَ إِلَى أهلِ الكتابِ منَ اليَهودِ والنَصَارى، فتُبيّنُ لَهُمْ أنَّ النّبيَّ المُرسلُ إِليهِم مُرسلٌ مِنْ عِندِ اللهِ، أرسلَهُ في عَصرٍ ظَلتْ البَشريَّةُ قبْلَهُ فترةً دونَ أنْ يكونَ لَهَا نَبيّ، فبيّنَ لَهُم هذا النّبيُّ الحَقائِقَ، لِكي لَا يقولوا بعدَ هذا إِنّ اللهَ لَمْ يُرسِلَ إِليهِم مَنْ يَهديَهم إِلَى الصِّراطِ السَّويِّ ويُبشرَهُم بِلُطفِ اللهِ ورحمتِهِ ويُحَذِّرَهُم مِنَ الإِنحرافِ والإِعوجَاجِ، ويُنذرَهُم بعذابِ اللهِ، حيثْ تقولُ الآيةِ: ﴿ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ ۚ قَدْ جَآءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَٰبٌ مُّبِينٌ ﴾، سُورَةُ المَائِدَةِ ، الآية : 15.
نعمْ، فالبشيرُ والنَّذيرُ هوَ نبيُّ الإِسلامِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) الّذي يُبشِرُ المؤمنينَ الّذينَ يَعملونَ الصَّالحَاتِ برحمَةِ اللهِ وثوابِهِ، وينذرَ الّذينَ كفروا والعَاصينَ بعذابِ اللهِ وعقابِهِ، وقدْ جاءَ لِيُبشِرَ ولِيُنذرَ أهلَ الكتابِ والبَشريَّةِ جَمعاءَ، حيثُ تؤكّدُ الآيةَ هذا بقولِهِ تَعالَى: ﴿ فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ۗ﴾ .
وقدْ شَهدَتْ الفَاصلَةُ الزَّمنيَّةُ بينَ مُوسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وعِيسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) عدداً منَ الأنبياءِ والرُّسِلِ، بَينَمَا لمْ يَكُنْ الأمرُ كذلكَ في الفَاصِلِةِ الزَّمنيَّةِ بينَ عِيسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) والنّبيِّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، ولِذلكَ أطلقَ القُرآنُ الكريمُ علَى هذهِ الفَاصلَةُ الأخيرةُ إِصطلاحَ ﴿ فَتْرَة مِّنَ الرُّسُلِ ﴾ والمعروفُ أنَّ هذهِ الفَترةِ دامتْ سِتَّمائَةُ عامْ تقريباً ، وَقَدْ وَرَدَتْ رواياتٍ كَثيرَةٍ بِهذا الخُصوصِ مِنْهَا :-
في الكافى عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اَلْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَخْطُبُ بِهَذِهِ اَلْخُطْبَةِ: ( اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلْعَالِمِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدِينَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ دَائِنٌ فَاطِرِ اَلسَّمَاوَاتِ وَ اَلْأَرْضِ مُؤَلِّفِ اَلْأَسْبَابِ بِمَا جَرَتْ بِهِ اَلْأَقْلاَمُ وَ مَضَتْ بِهِ اَلْأَحْتَامُ مِنْ سَابِقِ عِلْمِهِ وَ مُقَدَّرِ حُكْمِهِ أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَ أَعُوذُ بِهِ مِنْ نِقَمِهِ وَ أَسْتَهْدِي اَللَّهَ اَلْهُدَى وَ أَعُوذُ بِهِ مِنَ اَلضَّلاَلَةِ وَ اَلرَّدَى مَنْ يَهْدِهِ اَللَّهُ فَقَدِ اِهْتَدَى وَ سَلَكَ اَلطَّرِيقَةَ اَلْمُثْلَى وَ غَنِمَ اَلْغَنِيمَةَ اَلْعُظْمَى وَ مَنْ يُضْلِلِ اَللَّهُ فَقَدْ حَارَ عَنِ اَلْهُدَى وَ هَوَى إِلَى اَلرَّدَى وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ اَلْمُصْطَفَى وَ وَلِيُّهُ اَلْمُرْتَضَى وَ بَعِيثُهُ بِالْهُدَى أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ «فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ» وَ اِخْتِلاَفٍ مِنَ اَلْمِلَلِ وَ اِنْقِطَاعٍ مِنَ اَلسُّبُلِ وَ دُرُوسٍ مِنَ اَلْحِكْمَةِ وَ طُمُوسٍ مِنْ أَعْلاَمِ اَلْهُدَى وَ اَلْبَيِّنَاتِ فَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَ صَدَعَ بِأَمْرِهِ وَ أَدَّى اَلْحَقَّ اَلَّذِي عَلَيْهِ )، الکافي ، ج5، ص372.
في روضة الكافى ، عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اَلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ اَلنُّعْمَانِ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذِهِ اَلْخُطْبَةَ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَوْمَ اَلْجُمُعَةِ : ( اَلْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلِ اَلْحَمْدِ وَ وَلِيِّهِ وَ مُنْتَهَى اَلْحَمْدِ وَ مَحَلِّهِ اَلْبَدِيءِ اَلْبَدِيعِ اَلْأَجَلِّ اَلْأَعْظَمِ اَلْأَعَزِّ اَلْأَكْرَمِ اَلْمُتَوَحِّدِ بِالْكِبْرِيَاءِ وَ اَلْمُتَفَرِّدِ بِالْآلاَءِ اَلْقَاهِرِ بِعِزِّهِ وَ اَلْمُسَلِّطِ بِقَهْرِهِ اَلْمُمْتَنِعِ بِقُوَّتِهِ اَلْمُهَيْمِنِ بِقُدْرَتِهِ وَ اَلْمُتَعَالِي فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ بِجَبَرُوتِهِ اَلْمَحْمُودِ بِامْتِنَانِهِ وَ بِإِحْسَانِهِ اَلْمُتَفَضِّلِ بِعَطَائِهِ وَ جَزِيلِ فَوَائِدِهِ اَلْمُوَسِّعِ بِرِزْقِهِ اَلْمُسْبِغِ بِنِعَمِهِ نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ وَ تَظَاهُرِ نَعْمَائِهِ حَمْداً يَزِنُ عَظَمَةَ جَلاَلِهِ وَ يَمْلَأُ قَدْرَ آلاَئِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اَلَّذِي كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ مُتَقَادِماً وَ فِي دَيْمُومِيَّتِهِ مُتَسَيْطِراً خَضَعَ اَلْخَلاَئِقُ لِوَحْدَانِيَّتِهِ وَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ قَدِيمِ أَزَلِيَّتِهِ وَ دَانُوا لِدَوَامِ أَبَدِيَّتِهِ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ اِخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ وَ اِصْطَفَاهُ لِوَحْيِهِ وَ اِئْتَمَنَهُ عَلَى سِرِّهِ وَ اِرْتَضَاهُ لِخَلْقِهِ وَ اِنْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ وَ لِضِيَاءِ مَعَالِمِ دِينِهِ وَ مَنَاهِجِ سَبِيلِهِ وَ مِفْتَاحِ وَحْيِهِ وَ سَبَباً لِبَابِ رَحْمَتِهِ اِبْتَعَثَهُ عَلَى حِينِ «فَتْرَةٍ مِنَ اَلرُّسُلِ» وَ هَدْأَةٍ مِنَ اَلْعِلْمِ وَ اِخْتِلاَفٍ مِنَ اَلْمِلَلِ وَ ضَلاَلٍ عَنِ اَلْحَقِّ وَ جَهَالَةٍ بِالرَّبِّ وَ كُفْرٍ بِالْبَعْثِ وَ اَلْوَعْدِ أَرْسَلَهُ إِلَى اَلنَّاسِ أَجْمَعِينَ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ )، الکافي ، ج8، ص173.
وَمِمِّا جاءَ في القرآنِ - في سُورَةِ يس الآية 14 - وما ذكرَهُ المفسّرونَ، فَيَدُلانِ علَى أنَّ ثلاثةً مِنَ الرُّسلِ - علَى الأقل - قدْ بُعثوا في الفَاصلَةِ الزَّمنيَّةِ بينَ النّبيِّ عيسَى(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)ونبيِّ الإِسلامِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، وقدْ ذكَرَ البَعضُ أنّ أربعَةَ منَ الرُّسلِ بُعثوا في تِلكَ المُدَّةِ، وعلَى أيِّ حَالٍ لَابدَّ أنْ تكونَ هُناكَ فَترةٌ خَلَتْ مِنَ الرُّسلِ بينَ وفاةِ اُولئكَ الرُّسلِ والنّبيِّ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) ، ولذلكَ عبّرَ القرآنُ عنْ تلكَ الفَترةِ الخَاليَةِ منَ الرُّسلِ بقولِهِ: ﴿فَتْرَة مِّنَ الرُّسُلِ﴾ .
ورُبَمَا يَرِدُ سؤالٌ علَى بَالِ البَاحِثِ والمُهتَمِّ بِشؤونِ الدَعوةِ والهِدايَةِ الإلهيَّةِ ، بأنّهُ كيفَ يُمكنَ القولُ بوجودِ مِثلِ تلكَ الفَترَةِ معَ أنَّ الإِعتقادَ السَائدَ لَدينَا يقضي بأنَّ المُجتمَعُ البَشريُّ لَا يمكنُ أنْ يخلوَ ولَو لِلَحظَةٍ منْ رسولٍ أو إِمامٍ مُعيَنٍّ مِنْ قِبَلِ اللهِ سُبحانَهُ وتَعالَى؟
لِقَولِ أميرِالمؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في إِحدَى خُطَبِهِ الوَاردَةُ في كتابِ "نهج البلاغة" في هذا المَجالِ مَا يلي: ( يَا كُمَيلُ، إِنَّ هذهِ القُلُوبَ أَوْعِيةٌ، فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا، إِحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ.....:-
اللَّهُمَّ بَلَى لا تَخْلُو الأرضُ مِنْ قَائمٍ للهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً، لئلا تَبطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ. وَكَمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ وَاللهِ الأقَلُّونَ عَدَداً، وَالأعْظَمُونَ عِندَ اللهِ قَدراً، بِهِم يَحفِظ اللهُ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ العِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الأمرِ فَبَاشَرُوا رُوحَ اليَقِينِ، فَاسْتَلانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالمَحَلِّ الأعْلَى، أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إلى دِينِه. آهٍ آهٍ شَوقاً إلَى رُؤْيَتهِمْ، أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكَ، انصَرِفْ إِذَا شِئْتَ )، نهج البلاغة، ج 2، ص 173.
إنّ اللهَ تَعالَى لَمَّا يُصّرِحُ في كِتابِهِ العَزيزِ: ﴿عَلَى فَتْرَة مِّنَ الرُّسُلِ﴾ ، إِنّما ينفي وجودَ الرُّسلِ في تلكَ المُدّةِ، ولَا يَتنافَى هذا الأمرُ معَ القَولِ بوجودِ أوصياءٍ لِلرُّسلِ في ذلكَ الوَقتِ .
وَعليهِ فإِنّ الرُّسلَ هُمْ أشخاصٌ كانوا يُمارسونَ الدَّعوةَ علَى نَطاقٍ واسعٍ، وكانوا يبشرونَ ويُنذرونَ النَّاسَ، ويثيرونَ الحَرَكَةَ والنَّشاطَ في المُجتمعَاتِ، ويوقظونَهَا مِنْ سُباتِهَا بهدفِ إِيصالِ نِدائِهم الَى الجَميعِ، بَينمَا لَمْ يَكُنْ جميعَ أوصياءِ الرُّسلِ لِيحملوا مِثلَ تلكَ المُهمَّةِ، بَلْ يُحتمَل - أيضاً - إِنَّهُم لِظروفٍ وعوامِلٍ اجتماعيَّةٍ خاصّةٍ، كانوا يعيشونَ بينَ النَّاسِ أحياناً مُتخفينَ مُتنكرينَ .
ومِنْ أوضَحَ الوَاضِحَاتِ والّتي يُسَلِّمَ بِهَا أُلي الألبابِ ، أنَّ المُجتمعَ البَشريَّ لَو خَلَى مِنْ الرُّسلِ الثَّوريِّينَ والدُّعاةِ العالِمينَ، لَعَمَّتْ المُجتمَعَ هذهِ الخُرافَاتِ والوَساوسِ الشَّيطانيَّةِ والإِنحرافاتِ والجَهلِ بالتَّعاليمِ الإِلهيَّةِ، وتكونُ مثلَ هذهِ الحَالةِ خَيرُ حُجَّةٍ بأيدي اُولئكَ الّذينَ يُريدونَ الفَرارَ والتَّخلي عنْ المَسؤولياتِ، لِذلكَ فإِنَّ اللهَ يُبْطِلَ هذهِ الحِجَّةِ عنْ طريقِ الرِّجالِ الرِّساليِّينَ المُرتبطينَ بِهِ والمَوجودينَ دائماً بينَ أبناءِ البَشرِ.