السيرة العطرة والكرامات الباهرة للسيدة نفيسة (ر) .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
أسعد الله أيامكم بذكرى ولادة السيدة العلوية الطاهرة نفيسة (ر) في اليوم 11 من شهر ربيع الأول سنة 145 هـ .
لاشك ان في كل زمان الازمنة وفي جيل من الاجيال يظهر فيه بعض المؤمنين الابرار المتقين الاخيار من اولياء الله الصالحين وعباده المقربين الذي لا ينزل العذاب والعقاب على اهل الارض ببركة وجودهم فيها .
ولا يظن أحد ان مقصودي من هؤلاء هم الانبياء والاولياء كلا بل هم اناس لهم المنزلة والمكانة والمقام والوجاهة عند الله سبحانه وتعالى .
ومن ضمن هؤلاء الناس الذين لهم هذا الاصطفاء والاختيار عند الله عز وجل هي صاحبة الذكرى الحزينة السيدة نفيسة بن الحسن (ع) .
*** سيرة السيدة نفيسة (ع) :
ولدت السيدة نفسية في الحادي عشر من ربيع الأول سنة 145 ق . (1) في مكة المكرمة . (2) أبوها الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وقيل أن أمها أمّ ولد (أي أمة) . عاشت مع أبيها في المدينة المنورة في الدار التي تقع في الجانب الغربي من المدينة مقابل بيت الإمام الصادق (ع) . (3) .
وهي من سيدات أهل البيت، اشتهرت بالعبادة والزهد ، محدثة فاضلة حافظة للقرآن الكريم ، ويقع ضريحها في القاهرة حيث يؤمّه الكثير من الناس وخاصة من الشيعة المصريين وغيرهم للزيارة والتوسل .
*** هجرة السيدة نفيسة (ع) الى مصر :
في سنة 193 هـ ق، رحلت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر ، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش . وصلت نفيسة إلى القاهرة في 26 رمضان 193 هـ ، ورحّب بها أهل مصر . قال صاحب ناسخ التواريخ : عظيمة الشأن رفيعة المنزلة مثال العفة وكان بيتها ملاذا للناس . (4)
سكنت مع زوجها في بيت أحد التجار المصريين يعرف بجمال الدين بن عبد الله بن الجَصّاص ثم انتقلت بعد عدّة شهور الى بيت أمّ هانئ ومنها الى بيت أبي السرايا أيوب بن صابر .
وحينما شعرت السيدة نفسية أن كثرة المراجعين لها يزعج صاحب الدار قررت الرحيل من مصر ، ففزع الناس لقرارها ، ورفضوا رحيلها ، حتى تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها : ( يا ابنة رسول الله ، إنّي كفيل بإزالة ما تشكين منه ) . فوهبها دارًا واسعة ، وحدد يومين في الاسبوع لزيارتها ، فرضيت وبقيت في مصر الى أن وافاها الأجل هناك. (5) .
*** فضل السيدة نفيسة (ع) وخصائصها باعتراف علماء أهل السنة :
عرفت السيدة نفيسة بأنسها الشديد بالقرآن الكريم (6) فكانت من الحفاظ كما ذكر ذلك أكثر من ترجم لها ، ...... وقيل أنها ختمت القرآن الكريم 1900 مرّة . (7) .
وقيل أنها كانت يغشى عليها عندما تمر بقوله تعالى : (لهم دار السلام عند ربّهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) . (8) كما ذكروا أنها حجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية . (9) وكانت كثيرة البكاء خشية من الله تعالى وكانت تحيي الليل بالعبادة والتضرع والتهجد ، كثيرة الصيام . (10) وقيل أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها ، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا ، وختمت فيه المصحف عشرات المرّات وهي تبكي بكاءً شديدًا . (11)
وقد وصفها المترجمون لها بجميل الأوصاف وأثنوا عليها بأفضل كلمات الثناء مدرجين لها في عداد النساء العارفات العابدات المتمسكات بأوامر الله تعالى الزاهدات المتقيات العالمات ، منهم :
* أحمد أبو كف حيث وصفها : بنفيسة الدارين ونفيسة الطاهرة والعابدة ونفيسة المصرية ونفيسة المصريين . (12) ووصفها أيضا بقوله : كانت من العابدات العارفات العاملات وأنها نفيسة الدارين لطهارتها وعفتها وهي درة ثمين بين المصريين يلوذ إليها المصريون في طلبهم لطريق الحق وكانت كريمة الدارين لما أدركه المصريون من كرامتها إبّان حياتها وبعد رحيلها . (13) .
* وقال الزركلي في الأعلام : صاحبة المشهد المعروف بمصر ، تقيّة صالحة زاهدة ، عالمة بالتفسير والحديث ... وللمصريين فيها اعتقاد عظيم . (14) .
* وقال العالم المصري الشيخ محمد ضبان : اعرضت السيدة نفيسة عن زخارف الدنيا رغم تمكنها من العيش الرغيد والحياة الهانئة ، زاهدة في كل متاع الدنيا زينتها ، ومن هنا مال إليها الكثير من الناس فكانوا يرجعون إليها في المحن والشدائد والمصائب التي تلم بهم . (15) .
* صرح أبو نصر البخاري لبيان فضلها بقوله : وقد بلغ من سمو مرتبها وعلو مكانتها أن المصريين يقسمون باسمها لإثبات صدق مدعاهم . (16) .
* وأشار جمال الدين بن تغري البُردى الى ما شوهد منها من كرامات كثيرة مما يكشف عن عظم منزلتها وكونها من الفاضلات الروحانيات وقد ذاع صيت كراماتها في كافة الأرجاء . (17) .
* ووصفها اليافعي اليمني بصاحبة المناقب فريدة في عصرها . (18)
* وقال محمود الشرقاوي في ترجمتها : وصلت الى درجة من الكمال حتى نهل من نمير علمها الناس ومالت قلوب الكثيرين إليها . (19) .
* وللــمقريزي في وصفها كلام جاء فيه : عرفت بتقواها وإعراضها عن زخارف الدنيا . (20) .
* وقال ابن خلكان : عرفت بمهارتها بنقل الحديث وروى عنها الحديث مشاهير الأعلام . (21) .
* وقال صالح الورداني : كانت كثيرة البكاء من خشية الله تحفظ القرآن وعالمة بتفسيره . (22) .
*** من كرامات السيّدة نفيسة (ع) :
سجلت المصادر التي ترجمت للسيدة نفسية الكثير من الكرامات (23) كشفاء المرضى (24) وخلاص المصريين من الجفاف بزيادة ماء النيل . (25) وهذه بعض كراماتها بالتفصيل :
* شفاء المشلولة :
نقل أنه كان بجوارها حينما نزلت مصر في دار جمال الدين عبد الله ، فأقامت بها عدة شهور ، كان بجوارها يهود من جملتهم امرأة لها ابنة مشلولة مقعدة لا تقدر على الحركة ، فأرادت الأم أن تذهب إلى الحمام ، فسألت ابنتها أن تأخذها معها فامتنعت فقالت لها أمها تقيمين في الدار وحدك ! فقالت لها أشتهي أن أكون عند جارتنا الشريفة حتى تعودين فجاءت الأم إلى السيدة نفيسة واستأذنتها في ذلك فأذنت لها فحملتها ووضعتها في زاوية من البيت وذهبت .
ثم إن السيدة نفيسة توضأت فجرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية ، فألهمها الله أن أخذت من ماء الوضوء شيئاً قليلاً بيدها ومسحت به على رجليها فوقفت في وقتها بإذن الله شفيت من الشلل وقامت تمشي على قدميها كأن لم يكن بها مرض قط ، هذا والسيدة مشغولة بصلاتها مستغرقة ، قلبها يناجي الخلّاق العليم ، لم تعلم ما جرى ثم إن البنت سمعت مجيء أمها من الحمام خرجت من دار السيدة حتى أتت إلى دار أمها طارقة الباب فخرجت الأم تنظر من يطرق فدخلت البنت وعانقت أمها وقبلتها فلم تعرفها لأن ابنتها مقعدة ، فقالت لها من أنت فقالت أنا ابنتك ، قالت : وكيف قضيتك فأخبرتها بقصتها كاملة ، فقالت الأم : هذا والله الدين الصحيح وما نحن عليه من الدين قبيح ، أي عن اليهودية ثم دخلت فأقبلت تقبل قدم السيدة وقالت لها امددي يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمداً رسول الله ، فشكرت السيدة نفيسة ربها عزّ وجلّ وحمدته على هداها وانقاذها من الضلال .
ثم مضت المرأة إلى منزلها فلما حضر زوجها وكان اسمه أيوب وملقب أبو السرايا وكان من أعيان قومه ، ورأى البنت على تلك الحالة ذُهل فرحاً ، وقال لامرأته ما قصتها ، فأخبرته فرفع رأسه إلى السماء وقال : سبحانك هديت من تشاء وأضللت من تشاء والله هذا الدين الصحيح ولا دين إلا دين الإسلام ، ثم أتى إلى باب السيدة نفيسة فمر بخديه على عتبة بابها وأسلم وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمداً رسول الله ثم شاع خبر البنت وإسلامها وإسلام أبيها وأمها وجماعة من الجيران اليهود .
* زيادة النيل :
توقف النيل عن الزيادة في زمنها فحضر الناس إليها شاكين ما حصل من توقف النيل فدفعت قناعها إليهم وقالت لهم : ألقوه في النيل فألقوه فيه فزاد حتى بلغ اللّه به المنافع .
* إطلاق الأسير :
أسر ابنٌ لامرأة ذمّية في بلاد الروم فأتت إلى السيدة نفيسة وسألتها الدعاء أن يردّ اللّه ابنها عليها فلما كان الليل لم تشعر الذمّية إلاّ بابنها وقد هجم عليها دارها فسألته عن خبره فقال : يا أمّاه لم أشعر إلاّ ويد قد وقعت على القيد الذي كان في رجليَّ وقائل يقول : أطلقوه قد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن . فو الذي يُحلَفُ به يا أمّاه لقد كُسر قيدي وما شعرت بنفسي إلاّ وأنا واقف بباب هذه الدار . فلما أصبحت الذمّية أتت إلى السيدة نفيسة وقصت عليها الخبر وأسلمت هي وابنها وحسن إسلامهما .
*** وفاة السيدة نفيسة (ع) :
في شهر رجب 208 هـ ، أصاب نفيسة بنت الحسن المرض ، وظلّ يشتد عليها حتى احتضرت (ع) وهي صائمة فألزموها الفطر ، فقالت : واعجباه لي منذ ثلاثين سنة أسأل الله أن القاه وأنا صائمة وأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام فلما وصلت الى قوله تعالى : (( لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ )) الأنعام ، 127، فماتت في مصر في شهر رمضان سنة 208 هـ ، فبكاها أهل مصر . (26) وكانت قد حفرت قبرها بيدها وصارت تنزل فيه وتصلي قرأت فيه ستة آلاف ختمة فلما ماتت اجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر وعظم الأسف والحزن عليها وصُلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث امتلأت الفلوات والقبعات ، ثم دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة .
وأراد زوجها نقلها بعد موتها الى المدينة ودفنها في البقيع فسأله أهل مصر تركها عندهم للتبرك وبذلوا له مالاً كثيراً فلم يرض فرأى النبي (ص) فقال له : (( يا إسحق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها )) .
*** مرقد السيدة نفيسة (ع) :
مقام ومرقد السيدة نفيسة في مصر يندرج ضمن أهم المراقد المعروفة في مصر، يقصده في يومي الأحد والخميس جموع غفيرة من المؤمنين ، وقد اعتاد المصريون على اقامة مراسم الزواج في اطراف ذلك المرقد . (27) كذلك يحيي المصريون ذكرى ولادة السيدتين نفيسة وزينب (ع) في كل عام . (28) .
*** زيارة السيدة نفيسة (ع) :
السلامُ والتحيّةُ والإكرامُ والرضى ، مِن العليِّ الأعلى ، على السيّدةِ نفيسة سُلالةِ نبيِّ الرحمة ، وشفيعِ الأُمّة ، مَن أبوها عَلَمُ العِترة ، وهو الإمام حيدرة . السلامُ عليكِ يا بنتَ الإمام الحسن المسموم ، أخي الإمام الحسينِ المظلوم . السلامُ عليكِ يا بنتَ فاطمةَ الزهراء ، وسلالةَ خديجةَ الكُبرى . رضيَ اللهُ عنكِ ، وعن أبيكِ وعمِّكِ وجَدِّكِ ، وحشَرَنا اللهُ في زُمرتِهِم أجمعين . اَللّهمّ بِحقِّ ما كان بينَك وبينَ جَدِّها محمّدٍ صلّى الله عليه وآله ليلةَ المعراج ، اجعَلْ لنا مِن أمرِنا الذي نَزَلَ بنا بابَ آنفراج ، وآقْضِ حوائجي في الدنيا والآخرة ، بمحمّدٍ وآله أجمعين .
*** متن هذه الزيارة :
ذكرت كتب التراجم زيارة خاصة للسيدة نفيسة ، فقد اشار الشبلنجي في كتابه نور الأبصار (29) إلى تلك الزيارة .
**********************
الهوامش :
1 - نجم الدولة ، ص 363 .
2 - رفيعي ، ص 28 و سمامي حائري ، بزركان رامسر ، القسم 1، ص 25 ، 51 ، سمامي حائري ، بزركان تنكابن ، ص 25 ، فلسفي ، ص 31 و راجع : اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 190 - ص 305 .
3 - البلاغي ، ص 40 .
4 - بامداد ، ج 6 ، ص 170 ، الهامش 4 . ،،،، و الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 2 ، ص 845 . ،،،،، صدوقي سها ، ص 60 ، ح 62 .
5 - يغما ، السنة 21 ، العدد 12، [شهر]اسفند 1347هـ ش ، ص 708 . ،،،،، و الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 3 ، ص 1064 - 1065 .
6 - سلطان زاده ، ص 309 .
7 - بامداد ، ج 1، ص 40 - 41 .
8 - الآقا بزرك الطهراني ، الذريعة ، ج 18 ، ص 238 . ،،،،، و شريف رازي ، كنجينه دانشمندان ، ج 4 ، ص 506 - 507 .
9 - راجع : بامداد ، ج 2 ، ص 208 والهامش1 .
10 - شريف رازي ، اختران فروزان ري وطهران ، ص 122 .
11 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 117.،،،،، البلاغي ، ص 172 - 173 .
12 - اعتماد السلطنة ، 1363ش ، ص 117.
13 - يادنامه ي آية اللّه سيد رضا فيروز آبادي ، ص 14 .
14 - البلاغي ، ص 175.
15 - راجع : حسن زاده آملي ، ص 203 .
16 - اعتماد السلطنة ، 1363 ش ، ص 117- 118 ، البلاغي ، ص 184 .
17 - الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 2 ، ص 859 .
18 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 250، شريفرازي ، اختران فروزان ري وطهران ، ص 115- 116 .
19 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار، ص 228 .
20 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 117، البلاغي ، ص 180 .
21 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 121 .
22 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 121.
23 - كريمان ، ص 307 - 308 .
24 - كريمان ، ص 308 . ،،،،،، الآقا بزرك الطهراني ، الذريعة ، ج 4 ، ص 19 .
25 - رضوي ، ص 109 .
26 - موسوي طهراني ، ص 252 .
27 - الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 4 ، ص 1364 .
28 - عبرت نائيني ، ص 106 - 108 .
29 - الشبلنجي ، نور الأبصار ، ص395 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وال محمد .
أسعد الله أيامكم بذكرى ولادة السيدة العلوية الطاهرة نفيسة (ر) في اليوم 11 من شهر ربيع الأول سنة 145 هـ .
لاشك ان في كل زمان الازمنة وفي جيل من الاجيال يظهر فيه بعض المؤمنين الابرار المتقين الاخيار من اولياء الله الصالحين وعباده المقربين الذي لا ينزل العذاب والعقاب على اهل الارض ببركة وجودهم فيها .
ولا يظن أحد ان مقصودي من هؤلاء هم الانبياء والاولياء كلا بل هم اناس لهم المنزلة والمكانة والمقام والوجاهة عند الله سبحانه وتعالى .
ومن ضمن هؤلاء الناس الذين لهم هذا الاصطفاء والاختيار عند الله عز وجل هي صاحبة الذكرى الحزينة السيدة نفيسة بن الحسن (ع) .
*** سيرة السيدة نفيسة (ع) :
ولدت السيدة نفسية في الحادي عشر من ربيع الأول سنة 145 ق . (1) في مكة المكرمة . (2) أبوها الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وقيل أن أمها أمّ ولد (أي أمة) . عاشت مع أبيها في المدينة المنورة في الدار التي تقع في الجانب الغربي من المدينة مقابل بيت الإمام الصادق (ع) . (3) .
وهي من سيدات أهل البيت، اشتهرت بالعبادة والزهد ، محدثة فاضلة حافظة للقرآن الكريم ، ويقع ضريحها في القاهرة حيث يؤمّه الكثير من الناس وخاصة من الشيعة المصريين وغيرهم للزيارة والتوسل .
*** هجرة السيدة نفيسة (ع) الى مصر :
في سنة 193 هـ ق، رحلت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر ، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش . وصلت نفيسة إلى القاهرة في 26 رمضان 193 هـ ، ورحّب بها أهل مصر . قال صاحب ناسخ التواريخ : عظيمة الشأن رفيعة المنزلة مثال العفة وكان بيتها ملاذا للناس . (4)
سكنت مع زوجها في بيت أحد التجار المصريين يعرف بجمال الدين بن عبد الله بن الجَصّاص ثم انتقلت بعد عدّة شهور الى بيت أمّ هانئ ومنها الى بيت أبي السرايا أيوب بن صابر .
وحينما شعرت السيدة نفسية أن كثرة المراجعين لها يزعج صاحب الدار قررت الرحيل من مصر ، ففزع الناس لقرارها ، ورفضوا رحيلها ، حتى تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها : ( يا ابنة رسول الله ، إنّي كفيل بإزالة ما تشكين منه ) . فوهبها دارًا واسعة ، وحدد يومين في الاسبوع لزيارتها ، فرضيت وبقيت في مصر الى أن وافاها الأجل هناك. (5) .
*** فضل السيدة نفيسة (ع) وخصائصها باعتراف علماء أهل السنة :
عرفت السيدة نفيسة بأنسها الشديد بالقرآن الكريم (6) فكانت من الحفاظ كما ذكر ذلك أكثر من ترجم لها ، ...... وقيل أنها ختمت القرآن الكريم 1900 مرّة . (7) .
وقيل أنها كانت يغشى عليها عندما تمر بقوله تعالى : (لهم دار السلام عند ربّهم وهو وليهم بما كانوا يعملون) . (8) كما ذكروا أنها حجّت أكثر من ثلاثين حجة أكثرها ماشية . (9) وكانت كثيرة البكاء خشية من الله تعالى وكانت تحيي الليل بالعبادة والتضرع والتهجد ، كثيرة الصيام . (10) وقيل أنها حفرت قبرها الذي دُفنت فيه بيديها ، وكانت تنزل فيه وتصلي كثيرًا ، وختمت فيه المصحف عشرات المرّات وهي تبكي بكاءً شديدًا . (11)
وقد وصفها المترجمون لها بجميل الأوصاف وأثنوا عليها بأفضل كلمات الثناء مدرجين لها في عداد النساء العارفات العابدات المتمسكات بأوامر الله تعالى الزاهدات المتقيات العالمات ، منهم :
* أحمد أبو كف حيث وصفها : بنفيسة الدارين ونفيسة الطاهرة والعابدة ونفيسة المصرية ونفيسة المصريين . (12) ووصفها أيضا بقوله : كانت من العابدات العارفات العاملات وأنها نفيسة الدارين لطهارتها وعفتها وهي درة ثمين بين المصريين يلوذ إليها المصريون في طلبهم لطريق الحق وكانت كريمة الدارين لما أدركه المصريون من كرامتها إبّان حياتها وبعد رحيلها . (13) .
* وقال الزركلي في الأعلام : صاحبة المشهد المعروف بمصر ، تقيّة صالحة زاهدة ، عالمة بالتفسير والحديث ... وللمصريين فيها اعتقاد عظيم . (14) .
* وقال العالم المصري الشيخ محمد ضبان : اعرضت السيدة نفيسة عن زخارف الدنيا رغم تمكنها من العيش الرغيد والحياة الهانئة ، زاهدة في كل متاع الدنيا زينتها ، ومن هنا مال إليها الكثير من الناس فكانوا يرجعون إليها في المحن والشدائد والمصائب التي تلم بهم . (15) .
* صرح أبو نصر البخاري لبيان فضلها بقوله : وقد بلغ من سمو مرتبها وعلو مكانتها أن المصريين يقسمون باسمها لإثبات صدق مدعاهم . (16) .
* وأشار جمال الدين بن تغري البُردى الى ما شوهد منها من كرامات كثيرة مما يكشف عن عظم منزلتها وكونها من الفاضلات الروحانيات وقد ذاع صيت كراماتها في كافة الأرجاء . (17) .
* ووصفها اليافعي اليمني بصاحبة المناقب فريدة في عصرها . (18)
* وقال محمود الشرقاوي في ترجمتها : وصلت الى درجة من الكمال حتى نهل من نمير علمها الناس ومالت قلوب الكثيرين إليها . (19) .
* وللــمقريزي في وصفها كلام جاء فيه : عرفت بتقواها وإعراضها عن زخارف الدنيا . (20) .
* وقال ابن خلكان : عرفت بمهارتها بنقل الحديث وروى عنها الحديث مشاهير الأعلام . (21) .
* وقال صالح الورداني : كانت كثيرة البكاء من خشية الله تحفظ القرآن وعالمة بتفسيره . (22) .
*** من كرامات السيّدة نفيسة (ع) :
سجلت المصادر التي ترجمت للسيدة نفسية الكثير من الكرامات (23) كشفاء المرضى (24) وخلاص المصريين من الجفاف بزيادة ماء النيل . (25) وهذه بعض كراماتها بالتفصيل :
* شفاء المشلولة :
نقل أنه كان بجوارها حينما نزلت مصر في دار جمال الدين عبد الله ، فأقامت بها عدة شهور ، كان بجوارها يهود من جملتهم امرأة لها ابنة مشلولة مقعدة لا تقدر على الحركة ، فأرادت الأم أن تذهب إلى الحمام ، فسألت ابنتها أن تأخذها معها فامتنعت فقالت لها أمها تقيمين في الدار وحدك ! فقالت لها أشتهي أن أكون عند جارتنا الشريفة حتى تعودين فجاءت الأم إلى السيدة نفيسة واستأذنتها في ذلك فأذنت لها فحملتها ووضعتها في زاوية من البيت وذهبت .
ثم إن السيدة نفيسة توضأت فجرى ماء وضوئها إلى البنت اليهودية ، فألهمها الله أن أخذت من ماء الوضوء شيئاً قليلاً بيدها ومسحت به على رجليها فوقفت في وقتها بإذن الله شفيت من الشلل وقامت تمشي على قدميها كأن لم يكن بها مرض قط ، هذا والسيدة مشغولة بصلاتها مستغرقة ، قلبها يناجي الخلّاق العليم ، لم تعلم ما جرى ثم إن البنت سمعت مجيء أمها من الحمام خرجت من دار السيدة حتى أتت إلى دار أمها طارقة الباب فخرجت الأم تنظر من يطرق فدخلت البنت وعانقت أمها وقبلتها فلم تعرفها لأن ابنتها مقعدة ، فقالت لها من أنت فقالت أنا ابنتك ، قالت : وكيف قضيتك فأخبرتها بقصتها كاملة ، فقالت الأم : هذا والله الدين الصحيح وما نحن عليه من الدين قبيح ، أي عن اليهودية ثم دخلت فأقبلت تقبل قدم السيدة وقالت لها امددي يدك أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمداً رسول الله ، فشكرت السيدة نفيسة ربها عزّ وجلّ وحمدته على هداها وانقاذها من الضلال .
ثم مضت المرأة إلى منزلها فلما حضر زوجها وكان اسمه أيوب وملقب أبو السرايا وكان من أعيان قومه ، ورأى البنت على تلك الحالة ذُهل فرحاً ، وقال لامرأته ما قصتها ، فأخبرته فرفع رأسه إلى السماء وقال : سبحانك هديت من تشاء وأضللت من تشاء والله هذا الدين الصحيح ولا دين إلا دين الإسلام ، ثم أتى إلى باب السيدة نفيسة فمر بخديه على عتبة بابها وأسلم وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك محمداً رسول الله ثم شاع خبر البنت وإسلامها وإسلام أبيها وأمها وجماعة من الجيران اليهود .
* زيادة النيل :
توقف النيل عن الزيادة في زمنها فحضر الناس إليها شاكين ما حصل من توقف النيل فدفعت قناعها إليهم وقالت لهم : ألقوه في النيل فألقوه فيه فزاد حتى بلغ اللّه به المنافع .
* إطلاق الأسير :
أسر ابنٌ لامرأة ذمّية في بلاد الروم فأتت إلى السيدة نفيسة وسألتها الدعاء أن يردّ اللّه ابنها عليها فلما كان الليل لم تشعر الذمّية إلاّ بابنها وقد هجم عليها دارها فسألته عن خبره فقال : يا أمّاه لم أشعر إلاّ ويد قد وقعت على القيد الذي كان في رجليَّ وقائل يقول : أطلقوه قد شفعت فيه نفيسة بنت الحسن . فو الذي يُحلَفُ به يا أمّاه لقد كُسر قيدي وما شعرت بنفسي إلاّ وأنا واقف بباب هذه الدار . فلما أصبحت الذمّية أتت إلى السيدة نفيسة وقصت عليها الخبر وأسلمت هي وابنها وحسن إسلامهما .
*** وفاة السيدة نفيسة (ع) :
في شهر رجب 208 هـ ، أصاب نفيسة بنت الحسن المرض ، وظلّ يشتد عليها حتى احتضرت (ع) وهي صائمة فألزموها الفطر ، فقالت : واعجباه لي منذ ثلاثين سنة أسأل الله أن القاه وأنا صائمة وأفطر الآن هذا لا يكون ، ثم قرأت سورة الأنعام فلما وصلت الى قوله تعالى : (( لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ )) الأنعام ، 127، فماتت في مصر في شهر رمضان سنة 208 هـ ، فبكاها أهل مصر . (26) وكانت قد حفرت قبرها بيدها وصارت تنزل فيه وتصلي قرأت فيه ستة آلاف ختمة فلما ماتت اجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر وعظم الأسف والحزن عليها وصُلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث امتلأت الفلوات والقبعات ، ثم دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة .
وأراد زوجها نقلها بعد موتها الى المدينة ودفنها في البقيع فسأله أهل مصر تركها عندهم للتبرك وبذلوا له مالاً كثيراً فلم يرض فرأى النبي (ص) فقال له : (( يا إسحق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها )) .
*** مرقد السيدة نفيسة (ع) :
مقام ومرقد السيدة نفيسة في مصر يندرج ضمن أهم المراقد المعروفة في مصر، يقصده في يومي الأحد والخميس جموع غفيرة من المؤمنين ، وقد اعتاد المصريون على اقامة مراسم الزواج في اطراف ذلك المرقد . (27) كذلك يحيي المصريون ذكرى ولادة السيدتين نفيسة وزينب (ع) في كل عام . (28) .
*** زيارة السيدة نفيسة (ع) :
السلامُ والتحيّةُ والإكرامُ والرضى ، مِن العليِّ الأعلى ، على السيّدةِ نفيسة سُلالةِ نبيِّ الرحمة ، وشفيعِ الأُمّة ، مَن أبوها عَلَمُ العِترة ، وهو الإمام حيدرة . السلامُ عليكِ يا بنتَ الإمام الحسن المسموم ، أخي الإمام الحسينِ المظلوم . السلامُ عليكِ يا بنتَ فاطمةَ الزهراء ، وسلالةَ خديجةَ الكُبرى . رضيَ اللهُ عنكِ ، وعن أبيكِ وعمِّكِ وجَدِّكِ ، وحشَرَنا اللهُ في زُمرتِهِم أجمعين . اَللّهمّ بِحقِّ ما كان بينَك وبينَ جَدِّها محمّدٍ صلّى الله عليه وآله ليلةَ المعراج ، اجعَلْ لنا مِن أمرِنا الذي نَزَلَ بنا بابَ آنفراج ، وآقْضِ حوائجي في الدنيا والآخرة ، بمحمّدٍ وآله أجمعين .
*** متن هذه الزيارة :
ذكرت كتب التراجم زيارة خاصة للسيدة نفيسة ، فقد اشار الشبلنجي في كتابه نور الأبصار (29) إلى تلك الزيارة .
**********************
الهوامش :
1 - نجم الدولة ، ص 363 .
2 - رفيعي ، ص 28 و سمامي حائري ، بزركان رامسر ، القسم 1، ص 25 ، 51 ، سمامي حائري ، بزركان تنكابن ، ص 25 ، فلسفي ، ص 31 و راجع : اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 190 - ص 305 .
3 - البلاغي ، ص 40 .
4 - بامداد ، ج 6 ، ص 170 ، الهامش 4 . ،،،، و الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 2 ، ص 845 . ،،،،، صدوقي سها ، ص 60 ، ح 62 .
5 - يغما ، السنة 21 ، العدد 12، [شهر]اسفند 1347هـ ش ، ص 708 . ،،،،، و الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 3 ، ص 1064 - 1065 .
6 - سلطان زاده ، ص 309 .
7 - بامداد ، ج 1، ص 40 - 41 .
8 - الآقا بزرك الطهراني ، الذريعة ، ج 18 ، ص 238 . ،،،،، و شريف رازي ، كنجينه دانشمندان ، ج 4 ، ص 506 - 507 .
9 - راجع : بامداد ، ج 2 ، ص 208 والهامش1 .
10 - شريف رازي ، اختران فروزان ري وطهران ، ص 122 .
11 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 117.،،،،، البلاغي ، ص 172 - 173 .
12 - اعتماد السلطنة ، 1363ش ، ص 117.
13 - يادنامه ي آية اللّه سيد رضا فيروز آبادي ، ص 14 .
14 - البلاغي ، ص 175.
15 - راجع : حسن زاده آملي ، ص 203 .
16 - اعتماد السلطنة ، 1363 ش ، ص 117- 118 ، البلاغي ، ص 184 .
17 - الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 2 ، ص 859 .
18 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 250، شريفرازي ، اختران فروزان ري وطهران ، ص 115- 116 .
19 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار، ص 228 .
20 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 117، البلاغي ، ص 180 .
21 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 121 .
22 - اعتماد السلطنة ، المآثر والآثار ، ص 121.
23 - كريمان ، ص 307 - 308 .
24 - كريمان ، ص 308 . ،،،،،، الآقا بزرك الطهراني ، الذريعة ، ج 4 ، ص 19 .
25 - رضوي ، ص 109 .
26 - موسوي طهراني ، ص 252 .
27 - الآقا بزرك الطهراني ، طبقات : نقباء ، قسم 4 ، ص 1364 .
28 - عبرت نائيني ، ص 106 - 108 .
29 - الشبلنجي ، نور الأبصار ، ص395 .