:ـ لِمَ فعلت ذلك..؟ لا أعرف، ربما كنت متأثراً بالموقف الذي عاشه هو، أنا أحبه، وكنت أقرأ كل ما يكتب عنه، وأتمنى أن أعيش الموقف الذي عاشه ولو بعد ألف وخمسمائة عام، طالما سألت نفسي: ماذا لو عشت أنا نفس الموقف هل كنت أفعلها..؟ أعتقد نعم يحق للإنسان أن لا يثق بكل قدراته؛ كونه لم يجربها، هذا يعني انك تحتاج الى موقف يعزز هذه القدرة، تحتاج الى قضية، وهذه القضية لابد أن تكون بحجم قضيته بحيوية معناها، وأن تكون مدركاً للمعنى عارفاً بما تفعله، أجده كان طوال حياته يعد نفسه لهذا الموقف، وكان يصلح ذاته؛ لكي تتوافق وحجم المشهد، وأنا مثله كنت أنتظر الساعة التي تحمل الموقف نفسه، عساي أكون مثله، او أكون بعضاً من (هو)، هل سأفعلها..؟ أسأل نفسي أحياناً: لِمَ نزع قميصه، وهو يواجه السيوف القاطعة المنقعة بسموم الحقد والجهل والجشع..؟ ما هذه القوة التي جعلته يعري جسده للسيوف؟ موقف أن يغرس الانسان روحه فيه، أي انه يختصر التاريخ في لحظة، فينزع عن قلبه دنياه، على كل حال يا صديقي، أنا لست عابس ولن أكون، أنا الشهيد نوفل إبراهيم طعمة الملقب بأسد آمرلي.
قلت: أكيد أنت تعشقه لحد الجنون، وخاصة لحظة أن نزع الدنيا في قميص، فقال: لا أخفيك، كنت أراه فيّ أحياناً، وخاصة عندما يشتد وطيس الحرب، وأحياناً كنت أراه ينهض فيّ.
وفي آمرلي كنت أنا قائد القوات المتقدمة من أحد المحاور باتجاه آمرلي، وكان هدفنا سليمان بيك المعروفة بقوة تمركز الإرهاب فيها، وبسبب كثافة النيران خصوصاً القناصة، لاحظت أن القوات تلعثم مسيرها في التقدم.
لا أعرف ما الذي جرى لحظتها، لكن الذي حدث اني قفزت امام القوات أحفزهم للتقدم، استيقظ فيّ عابس، فخلعت قميصي، وتقدمت أمام القوات لحظتها بقوة أذهلت العدو، وأصيب عابس بشظايا الحجر الأغبر، عندما هربوا منه ورموه بالحجر من بعيد، توزعت جسدي شظايا رصاص القنص.
الحمد لله كان أول من استقبلني هو عابس، حاملاً لي قميصاً من استبرق، صمت لحظة وقال: نسيت أن أقدم لك شيئاً للضيافة، قلت له: نحن تعودنا أن نستضيف نحن الشهداء، ونهدي الى أرواحهم سورة الفاتحة.