صرخت منفعلاً، وأنا أراها تسوق الدراجة النارية، قلت: إنها اول امرأة كربلائية تركب الدراجة، فضحك حينها كل من في السيارة وعقب السائق: انها رجل ياعم..! قلت حينها لأبعد الخجل عن نفسي: العتب على النظر.
فاستدرك احد الركاب: لا حاج، لا عتب على النظر، بل العتب على المتخنث الذي تخلى عن رجولته، ومال الى هيئة ولباس وزينة لا تتناسب مع وضعه كرجل.
ضحكت امرأة كبيرة السن وهي تقول: عينك يا حاج رأت الحقيقة، أبشع شيء ان يتخنث الرجل ويرقق كلماته مثل الانثى ويتمادى فى مزحه وضحكاته ويستخف دمه لخلق الاستضراف ظناً منه انه يكون بذلك ظريفاً.
ونسي ان الرجل يكون شامخاً راكزا وكلمته تكون ثمينة مثل الذهب واغلى ولا يخرجها إلا بمكانها الصحيح، الرجل النادر هو النادر فى كلماته وضحكاته، وإن تحدث يكون فى مناسبة وعلى قدر ما تدعيه تلك المناسبة.
انت معذور يا حاج، ما عدنا نفرق بين الرجل والمرأة، رجل من الركاب نظر الى الموضوع من وجهة نظر اخرى، وقال: رفقا بهذه المدينة المقدسة كربلاء التي باتت تشكو من هؤلاء الشباب ومن ملابسهم المقيتة وغير المحتشمة بشكل يبعث الاشمئزاز للنفس، فالملابس الضيقة ليست سيئة للمرأة فقط، وانما للرجل ايضا، فكلما اصبحت الملابس اكثر احتشاما اصبحت اكثر جمالاً واناقة.
قلت: واحد من اولئك الشباب تقدم الى رجل دين يسأله:ـ سيدنا هل صحيح أنّ الذّهب حرام على الرجال؟ فاجابه رجل الدين:ـ عندما تكونون رجالا، يُحرم عليكم الذهب..! ضحك من في السيارة، قال شاب من الركاب تبدو عليه سيماء التدين: انا شاب لكني استغرب لذائقة من يموّج شعره بالدّهن أو يجعله على شكل مكنسة أو يسنّمه على هيئة عرف الدّيك أو سنام البعير، وربّما يطيله ويجمعه خلف ظهره.. يلبس الضيّق والمتدلّي والملوّن والمزري من الثياب، ويضع من أجود أنواع العطور.. يطوّق رقبته بسلسلة ومعصمه بإسورة، ويجعل في إحدى أذنيه قرطا وفي الأخرى سمّاعة تحافظ على رقّة مشاعره ورهافة أحاسيسه بأغانٍ عاطفية تناسب ذوقه، ثمّ يخرج متمايلا في مشيته متغنّجا في حركاته.. إذا تكلّم تذلّل في كلامه ومطّط شفتيه وحرّك عينيه وحاجبيه، لا تسمع له حديثا إلا في سفاسف الأمور وترّهاتها، واستغرب فعلا كيف وصل الامر بنا الى هذه الحال؟ قلت:ـ هو واقع صنعته وسائل الإعلام في زمنٍ نحن أحوج ما نكون إلى الرجال.
هذا الذي تراه هو حصاد مكر مارسته وسائل الإعلام على مدار عقود متوالية، على عقول وقلوب شبابنا، عن طريق الرّسوم المتحرّكة والمسلسلات والأفلام التي نقلت شباب هذه الأمّة من ميادين صراع الحضارات إلى ميادين الشّهوات، وأنستهم قدواتهم من الأئمة المعصومين من اهل بيت الرحمة (سلام الله عليهم)، وصنعت لهم قدوات جديدة من شواذّ الفنانين والممثّلين والرياضيين، وأغرتهم بكسر الحدود والحواجز المادية والمعنوية بين الرّجال والنّساء، ودعتهم إلى إلغاء الفوارق بين الجنسين في اللّباس والتصرّفات والعادات، لم نكن لنصل إلى ما وصلنا إليه لو تنبّهنا منذ البداية إلى خطورة ما ترمي إليه وسائل الإعلام التي تحرّكها من خلف السّتار أيادي الخبث والمكر التي تريد ان تبعدنا عن انتمائنا وهويتنا وعن فكر وسلوك ائمتنا (عليهم السلام)، ولنتأمل في شباب الحشد الشعبي المؤمن الذي ترك مباهج الحياة وضحى بنفسه من اجل القيم المؤمنة وما دامت مراقدهم ضاجة بالنور ان شاء الله الهداية للجميع وقلت للسائق: نازل ارجوك وصلت.