عامٌ مرّ على فراق امام زمانها ، عامٌ مرت ايامه على قلب المعصومة كحبلى مقرب بثقلها وهي ترقب انبلاج فجر يوم جديد لتحظى فيه بالوصال ، عامٌ عاشت فيه مع تلك الامنية التي داعبت خيالها كل آن في عام الفراق ، عامٌ تحرّق فيه قلب فاطمة شوقا لاخيها الامام الرضا ع وهاج بها الحنين حتى لم تعد تُطِقْ صبرا على المكوث بعيدا عن رضا القلب والرحمن ، فسارت قافلة العشق الرضوي تحمل المعصومة مع خمسة من اخوتها مع اولادهم و بعض الغلمان في ركب قوامه واحد وعشرين شخصا في قافلة يحدوها الشوق وتسيــّرها تلك الامنية وهي اللقاء بإمام زمانها .
تاهت مخيلة السيدة المعصومة في زحام ذكرياتها وهي تتخبط بين جدران الهودج في قافلة الامنيات للعشق الرضوي واخذت ترسم لوحات الوصال وتتراءى امام عينيها آماق الولي وسحنته المشرقة للقاءها ، واخذت امنيتها تكبر شيئا فشيئا على طول الطريق حتى وصلت القافلة الى صحراء ساوة حيث راودت المعصومة الذكريات مجددا ولكن هذه المرة لم تكن تلك الذكريات الجميلة البريئة التي عاشت فيها طفولتها في كنف اخيها الشقيق الامام الرضا ع بعد ان غيّبَ الظالمون اباها في غياهب السجون ، لقد عاودتها ذكريات ابعد بكثير وآلم بكثير ، تميزت ملامح تلك الذكريات جيدا حينما حوصر الركب من قبل رجال المأمون وهجموا على القافلة فقُتل من قُتل وشُرّد من شُرد وقُتل اربعة من اخوتها واولادهم واصابوا الخامس وهو الوحيد الذي بقي معها جريحا وقتلوه بعد ذلك ايضا (١) ، رأت مصارعهم امام ناظريها ورأت من فر من القافلة هائما على وجهه في البيداء ، وكأني بالمعصومة اشاحت بوجهها شطر كربلاء وعاشت احداثها لحظة بلحظة ولربما تساءلت في نفسها
اي صحراء هذه ؟ اصحراء ساوة ام صحراء نينوى ؟
أجعفر ٌ هذا ؟ ام فضلٌ ؟ ام زيد ؟ام قاسم ؟ ام هذا جدي الحسين وابو الفضل العباس والاكبر والقاسم ؟
اي نداء واي عزاء اردد بعد صرخة عمتي زينب وامحمداه يا رسول الله
ام اقدم القربان تلو القربان وادعو اللهم تقبل منا هذا القربان واردد ما رايت الا جميلا ؟
ترى اي دموع اذرف ودموعي خجلى من الفاطميات التي روت ارض الغاضريات ؟
ام اني ارى الاطفال مشردين في الافاق مذعورين من القتل والسلب والنار والخيول ؟
في كل مشهد ترتسم امامي صورة من صور عاشوراء فيا ترى في اي محراب عشق نزلت قافلتي؟.
نعم .لقد صلت المعصومة صلاة عشقها في محراب كربلاء وتوضأت بدماء ابطالها لتقوم بفرض النصرة لامام زمانها.
صمتت المعصومة واجمة للحظات لتستوعب ما حصل ولتلملم جراحاتها وما تبعثر من امنيتها
لتحمله معها الى مدينة قم اقرب مدينة لساوة حيث نزلت في ضيافة موسى بن خزرج الاشعري سبعة عشر يوما اقعدها فيها السقم لهول رزءها في صحراء ساوة حتى وافقتها المنية كمدا وحزنا في العاشر من ربيع الثاني وقيل في ١٢ منه ،وقيل دس اليها السم في ساوة ، او لربما ماتت في ريعان شبابها لان امنيتها بلقاء امام زمانها لم تتحقق ، او لانها لم تتحمل مصائب كربلاء التي عاشت جزءا منها في ساوة ولعله لو كان الامام الرضا ع حاضرا ومسح على قلبها ودعا لها بالصبر كما فعل الامام الحسين ع مع زينب لتحملت المعصومة تلك الرزايا حتى وصولها الى مرو لتحقق امنيتها باللقاء ، ولكن يبدو ان تلك الامنية قد افترستها المنية قبل ان تتحقق ليتحقق بدلا عنها حديث الامام الصادق ع (...... ان لنا حرما وهو بلدة قم وستدفن فيها امراة من اولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة) قال الراوي وكان هذا الكلام قبل ان يولد الكاظم ع .(٢)
وتتبين عظمة مقام السيدة المعصومة عند اهل العصمة من خلال احاديثهم المؤكدة على فضلها وفضل زيارتها حتى ترددت كلمة (من زارها فله الجنة) او (وجبت له الجنة) كثيرا في احاديثهم ع كما في حديث الامام الصادق ع المذكور اعلاه وجملة من احاديث الامام الرضا ع والامام الجواد ع .
فيا جنة الله على الارض سيدتي يا فاطمة المعصومة خذيني اليك في قافلة عشق ارسم فيها ملامح جنتي الموعودة لاُحرِمَ في رُحبتيكِ علــّني احقق بذلك امنيتي في حضرتك بلقاء امام زماني ، ام ان هذه الامنية ستفترسها المنية ايضا ؟! .
الهوامش
(١) حياة الامام الرضا ع للسيد جعفر مرتضى العاملي ص ٤٢٨ نقلا عن جامع الانساب ص ٥٦ بتصرف
(٢) بحار الانوار ج ٦٠ ، ص ص٢١٦-٢١٧