أعظمَ الله تعالى شأن الوالدين، وجعلهما في منزلة مبجلة عند أي انسان مهما عظم قدره، وعلا شأنه، واوجب عليه التعامل الحسن معهما والاحترام والتقدير.. وللوقوف على حيثيات هذا المحور المهم، كان لنا هذا الحوار مع الباحثة الاسلامية السيدة (أم مهدي)؛ لنحاورها في مفهوم الآداب، والفرق بين الآداب والأخلاق:
الباحثة الاسلامية:ـ بداية لابد ان نتعرف على الفرق بين مفهوم الآداب ومفهوم الاخلاق حيث ان لكل منهما معنى خاصاً به، وان كان في بعض الاحيان يلتقي الادب والخلق في بعض الخصائص .لهذا جاء مفهوم الادب: بأنه عبارة عن الهيئة الحسنة التي يكون عليها الفعل الذي يصدر من الانسان.
أما الأخلاق: هي عبارة عن صفات نفسانية راسخة وثابتة في النفس الانسانية، وهذه الصفات تنعكس على الجوارح، فيصدر الفعل من الانسان بحسب هذه الصفة الانسانية، عادة الانسان عندما يصدر منه فعل يكون بدافع نفسي، هذا الدافع هو عبارة عن صفة راسخة موجودة في النفس، قد تكون هذه الصفة الراسخة هي صفة حسنة: كالجود مثلاً، الشجاعة، الرحمة، الحب، الاخلاص، هذه صفات حسنة.
أما اذا كانت هذه الصفات قبيحة -والعياذ بالله- مثل: عقوق الوالدين، التكبر، العجب، الرياء، هذه الصفات الرذيلة -أجلكم الله تعالى- اذا رسخت في النفس ايضا سوف تنعكس على الجوارح، لكن ما نريد ان نقوله هنا ان الصفة النفسانية الحسنة الراسخة بالنفس اذا انعكست على الجوارح صدر الفعل.
الفعل يكون حسناً نعم، لكن الأدب هنا سيزين هذا الفعل بحلية يجعل له هيئة خاصة، مثلاً: عندما يكون الانسان باراً بوالديه، او يريد ان يقدم فعلاً فيه خير، هذا الفعل يستحب ان يكون مزيناً بأدب ما، بحسب ما جاءت به التوصيات، هذا مجمل الكلام في الفرق ما بين الآداب والأخلاق.
- الفرق بين مفهوم برّ الوالدين وطاعة الوالدين؟
الباحثة الإسلامية: الطاعة، جاء الأمر بها بالقرآن الكريم في قوله تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا)) (الإسراء/23) هذا القول وهذه الكلمات التي أمر الله سبحانه وتعالى بها الانسان بأن قرنَ طاعة الله بطاعة الوالدين، انما هي تبين ما لهذين الوالدين من منزلة عظيمة عند الله (عز وجل)، وان الطاعة الالهية مقرونة بطاعتهما، هذا كما اورده المفسرون بالطاعة، إذن، الطاعة هي الامتثال لأمر الوالدين، ولابد ان يمتثل الولد لأمر الوالدين.
- هل أن كل أمر يجب الامتثال له؟
الباحثة الاسلامية: ما دام الوالدان على قيد الحياة، حتى لو تقدم بابنهما العمر، ووصل الى سن الرشد، تجب عليه طاعتهما على كل حال.
أما بر الوالدين: هو كما صورته نفس الآية القرآنية: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا)) الاحسان هنا وكما فسره الامام الصادق (عليه السلام) هو أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئاً مما كانا محتاجين اليه. الاحسان بمعنى البر هنا يختلف عن معنى الطاعة، بر الوالدين انه الولد ولفظه ونقصد بالولد الذكر والأنثى كما جاء في القرآن الكريم وليس فقط الذكر.
إذن، إذا أراد الانسان ان يتقرب الى الله سبحانه وتعالى بأجمل قربة، هو ان يتقرب ببر والديه؛ لأن البر يعزز العلاقة ما بين الاب وما بين الأولاد، او ما بين الاولاد وبين الوالدين، البر هو الذي يمنح الحياة العائلية والاجتماعية السعادة، لنقل حتى السعادة في دار الآخرة.
وكيف يمكن ان نقوم بواجب الوالدين حتى نكون بارين بالوالدين؟ الآن وبسبب تطور الحياة وهذا الانفتاح للعلمي والتكنولوجيا شيوع كثير من المصطلحات انتشرت باسم الحرية والتحرر. الخروج من قيد الماضي؛ بسبب الاختراق الثقافي دخلت مصطلحات الى اذهان الشباب، سببت انسلاخا تاما عن القيم والمبادئ والاخلاق الانسانية والاسلامية التي جاء بها الدين الاسلامي، اليوم أمست هناك مشاكل كثيرة بين الاولاد وآبائهم، وأصبحت فجوة عميقة بينهما.
- كيف نربي أبناءنا اليوم على طاعة الوالدين؟
الباحثة الاسلامية:ـ نحن نعيش حالة الاختراق الثقافي واستبدال القيم والمبادئ الاسلامية بالقيم الغربية، هذه الحالة غربت الثقافة الاسلامية بشيوع كثير من المبادئ والثقافات الغربية المستوردة التي لا تتناسب مع المبادئ الاسلامية.
من هذه الثقافات التي اخترقت اذهان الاطفال وحتى الشباب بحجة مبدأ الحرية، حرية التعبير عن الرأي، وحرية اختيار الامور والافعال والسلوكيات بدون تدخل الوالدين، هنا ينبغي ان نقف وقفة جادة، نبين من خلالها هل الطفل يجب ان لا يمنح هذه الحرية وان يسير على مسار الابوين بحيث ينساق الى أوامرهما والى ما يريدان وما يرتبان عليه من اثر في حياته وسلوكياته؟
الاسلام لا يعارض الحرية، على العكس الاسلام هو دين قائم على الحرية التي يجب ان نمنحها للطفل منذ البداية، يعني منذ ان يبدأ عنده الادراك، لابد ان نمنحه مساحة من الحرية يعبر بها عن رأيه.
هناك اسس تربوية قد بينتها لنا الروايات الشريفة في تربية الطفل، يقول مضمون هذه الروايات ان الطفل، يترك سبعا، ويؤدب سبعا، ويصاحب سبعا، هذا مضمون الروايات اذا استخدمنا هذا الاساس التربوي الموروث من آهل البيت (عليهم السلام) نستطيع ان نلقنهم في خلال هذه الفترة الأسس التربوية الصحيحة.
ولابد أن يكون للوالدين دور في غرس هذا الادب، وهذا الخلق عند الطفل، يجب ان يكون الوالدان هما قدوة حسنة امام ابنائهما، كذلك عليهم تغذيتهم بالتربية الروحية القائمة على الصلاة، العبادة، قراءة القرآن، الأدعية، الأذكار.
لا بأس ان يلقن الطفل منذ نعومة اظفاره على الدعاء للوالدين، كما في دعاء الامام زين العابدين(عليه السلام) لوالديه. الطفل سوف تتحرك عنده هذه المشاعر، وسوف يدرك انه يجب ان يدعو لوالديه سواء الان او بعده مماتهما.. حتى زيارة القبور، عندما يقوم الوالدان بزيارة قبور والديهما أمام الاولاد، هذا ايضا تربية فعلية وواقعية للأولاد ببر الوالدين.
- آخر كلمة بخصوص تعليم الأبناء آداب طاعة الوالدين؟
الباحثة الإسلامية:ـ لابد ان تكون لدينا فكرة كاملة وتامة عن مسألة الطاعة والبر وان نفرق ما بين الطاعة وما بين البر، وان نعين اولادنا على برنا، هناك حالة شائعة لمسناها في الواقع، كثير من الامهات تفرط في الاوامر التي توجه نحو الابناء نحو البنت بالخصوص هناك اوامر كثيرة، الأم تأمر بها بالبيت نحو بنتها، لكن البنت اذا طلبت طلباً واحداً أو ارادت ان تطلب من امها شيئاً، الأم تقول مثلاً: هذا عيب، ويجب ان تكوني انت بارة بالوالدين، وهناك طاعة، فتدخل في هذه التفاصيل، لهذا ينبغي ان تكون العلاقة في البيت بين البنت وأمها، وبين الوالدين والأولاد علاقة حب واحترام وعطف.
الاحترام يقدم من الابوين، انا احترم الطفل او البي له الطلب، لماذا؟ لكي يلبي لك هو الطلب أيضاً، فيجب ان لا تنفرد الأم في الاوامر على البنت او على الولد، وكأنه استغلال لفطرة الطفل ونشاطه وطاقته.
كثرة الأوامر قد تجعله إنساناً اتكالياً، لابد ان يبادر الأبوان امام الأبناء بنفسهما بالعمل، ولا يطلبان من الولد او البنت ان يفعلا هذا الشيء، سوف نجد انه حينما يقوم الأب بجلب كأس ماء لنفسه، أو حاجة من البيت لنفسه، سوف يبادر الولد امامه ليجلبها اليه، هنا البر، هنا تحقق البر، لهذا ينبغي ان تكون العلاقة قائمة على الاحترام المتبادل.