هدؤوا جميعاً، وأنصتوا لوداع رجل خطابه أبلغ من أي وعظ كان، تمعنوا في حدقات عينيه، في شفاهه وهو يرسم البسمات، فبكوا جميعا لِما يقول، وهم يتحدثون بأدبه الجم وأخلاقه الرفيعة وبكرمه وشهامته، وبصبره العالي في مجاهدته الأعداء، وبسخائه بمساعدة الأصدقاء...، تلك الشخصية المثالية التي اتصفت بصفاء النفس ونقائها وطهرها، فنذرها فداء للوطن منذ صباه، وأقسم على أن يضع شعبه المختطف في حدقات عينيه وشغاف قلبه من أجل أن يحيا الوطن ويموت الأعداء...
لم تكن ولادة خالد ولادة ميمونة بل كانت ولادته صعبة وحزينة على والديه؛ لأنها تزامنت مع حرب الانتفاضة الشعبانية والرصاص والقذائف تدوي من فوق رأسه، وأمه وأبوه مازالوا قلقين عليه، فكانت الأم تحتضنه وتخبئه في غرفتها المتواضعة ومرة أخرى تذهب به من مكان لآخر بخوف وهلع، والأب يراقب الأوضاع عن كثب من وراء ذلك القفص الذهبي، رافعا يداه بالدعاء إلى الباري أن يحفظ ابنه من كل مكروه بينما هو واقف وإذا برصاصة الغدر والخيانة أصابته في رأسه فأوقعته صريعا وفارقت روحه الحياة وهو خائف على ابنه وزوجته...
انتهى عويل الرصاص وانتهى كل شيء معها فأحرقت ما أحرقت ولم يسلم منها حتى الحيوانات..! وعاشت الأم وطفلها بسلام وطمأنينة ورعته رعاية طيبة حتى أصبح شاباً مترعرعاً على حب وطنه مصقولا بصفات الرجولة والنقاء، لكن دم أبيه مازال يسري مع دمه فأقسم على أن يقتص من قاتليه...
وبعد فترة وجيزة اجتاح الظلام القمر ولم يستطع أحد انقاذه بل وحتى من حوله أصبحت النجوم خائفة ومرعوبة؛ فقد طغى عليها الظلام...، وما زال الاجتياح يواصل السير ولم يبق إلا القليل وتعلن العتمة انتصارها على القمر، ولكي يترك ذلك الحوت القمر صدر النداء من الشمس لإنقاذه بأسرع وقت ممكن، فهبت النجوم ومن حولها بكل عزم وقوة ملبية الدعوة السماوية بهتافات النصر والحفاظ على الوطن والمواطن من كيد الخائنين، فهيهات هيهات أن يطفئ الظلام ذلك النور..!
ففرح خالد إنه سيقاتل العدو وينتقم من قاتلي أبيه، وبالسرعة القصوى ذهب إلى أمه وطلب منها الرضى والغفران وأوصاها بأن لا تحزن عليه إذا فارقت روحه الحياة وبعد ذلك جهز نفسه وأعد عدته وأمه تدعو له بالسلامة وتسكب الماء من وراء ظهره، ملتحقا بالحشد المقدس ليقاتل أعداء الوطن.
نجح خالد في ذلك مع رفقائه، لكنه أصر على رفع راية الله أكبر عاليا وراية الحق فوق آخر نقطة من الحدود العراقية فرفعها فعلاً وهو مسرور بانتصار وطنه وبأخذ الثأر بدم أبيه، لكن بعد لحظات غاب فيها القمر وعمت الكون الظلمات وسال فيها دم البراءة على أرض البسيطة برصاص الغدر والخيانة فقط ليستقيم دين محمد (صلوات الله عليه وعلى آله وسلم)، فأطلق العدو رصاصته الخبيثة لتصيب خالد فطرحته شهيدا فوق أرضه معلنا النصر على أكبر عدوان واجهته البشرية على أرض البسيطة منذ تاريخها.
فتلك الرصاصة التي أطلقت على خالد هي من نفس العدو التي أطلقها على أبيه فقتلته وعانقت روحه السماء بكل فخر وعزة وشموخ...
تلك هي كانت قصة خالد ويوجد الكثير من القصص المشابهة لها لأبطال عراقيين نذروا أنفسهم لتحرير الوطن من براثن داعش وليد الصهيونية وأمريكا وعملائهم.. وأقسموا على أن يضعوا شعبهم المختطف في حدقات أعينهم وشغاف قلوبهم من أجل أن يحيا الوطن ويموت الأعداء.
أعجبني
تعليق
مشاركة