ظلت الساعات شاخصة بعدما هالها ما يدور، وفتح الزمن فاهه ذعرا من قسوة الأحداث، حتى اللحظات ظلت هي الأخرى مذهولة غير مصدقة ما يجري ظلما على أشخاص ذلك البيت المصون .
قال الزمن: ماذا سأوثق بعد هذه الظليمة التي أصابت ثلة الأنام؟
وقالت الساعات: يا ويحي... ليتني عطبت قبل ان تتحرك العقارب نحو الجرم المشهود؟
واردفت اللحظات بصوت عجول خافت :
_أحقاً جرى كل ذلك الضيم على ريحانة الرسول .
جلس الثلاثة يندبون ويتباكون، وعجلة الحياة تمضي بلا توقف او نفاد، لكن الآثار تبقى تشهد للكون ما جناه الظالمون من هتك على اشرف البيوت .
وبينما هم على ذلك الحال، وصلهم أنين ضعيف لهمس كلام يقول :
الحائط: علامَ هم يتباكون..! وهل وصلهم ما وصلنا من تهشم الصدر الشريف او زفرات الطفل المقتول أو آلام العصر الأليم؟
ظلت الباب واجمة وبقايا الدماء العالقة به تشهد الجرم الشنيع لحفنة الاوغاد المارقين، فاذا هي تلملم قوتها وتقول :
_ أي باب أنا؟ وضعوني لحفظ ستر الناس، لكني فشلت بحماية أشرف الناس.. !
فعاد الحائط للحديث متمتما: وانا الحائط وضعوني للإسناد، يستند عليه المتعب والمريض والحزين، لكني لم اوفق في اسناد سيدة نساء الكون.. !
ودبّ صوت ضعيف في الارجاء، صوت له رنين، ذلك هو مسمار الباب حيث صرح يقول
_ كلكم لم تروا ولم تشهدوا أي شيء، انا المبتلى الوحيد انا الذي مزق الجسد الشريف واندفع بكل شراسة يحطم اضلاع أشجع النساء.. !
أنا الذي سمعت الأنين اولاً، ثم التأوه ثانياً، ثم شاهدت الاعياء ثالثا، كنت واثبا لا حراك ذهلتني الصدمة وهي بين الحائط والباب حتى استقريت في تلك الاحشاء كعدو غاشم حقود، فنلت منها، فيا ويلي من غضب الرحمن، ومن غضب سيد الرسل والانبياء، فلطالما اوصى بالوديعة، فماذا جنينا نحن من ويلات، وماذا حل ببني الإنسان من خراب وفساد؟
بقايا الرماد المترامي على الأرض تطاير في فضاء المكان، وهو يعبث بلا هوادة ونطق قائلا:
_ لقد سمعت احدهم يثنيه عن تجرؤه مذكرا اياه: ان في الدار فاطمة..!
فيشفعه بالقول دون ورع: وإنْ..!
فأضرموا النار وأصابوا ذلك القلب الآمن، لقد أصابوا وآذوا من قبل قلب رسول الله.
عاد السكون من جديد، وظلّ المكان والزمان يشهد بأشد المصائب على الآل الأطهار
ظلت الساعات والدقائق تلتاع لذكرى ذلك المصاب كلما استجد عام..
وظل الزمان يبكي تلك الأطلال، ويتمنى لو استطاع أن يتوقف ويحيل دون ذلك الإجرام .
وظل الحائط يبكي الباب، والباب يولول إلى الحائط في سمفونية دائمة اللوعة والأحزان..
أما الرماد الأسود، فقد نذر لونه القاتم لكل الأجيال، حيث ارتدوا السواد على شهيدة الحائط والباب ابد الزمان..
ولم يجد المسمار سبيلا لغسل عاره، حيث امتد يمزق ويحطم صدر الهدى والإيمان، إلا أن يدفن نفسه تحت التراب، فلا حراك له ولا جواز أمان .
وكل ما دار له فرط تمتمات فاضت بها الجمادات التي شاهدت عظم المأساة، فكيف بالمجرمين من حساب ربّ العباد..؟!