تويت
اقبل النور بمحيا مشجوج ورباعية مكسورة وشفة مكلومة كفؤاده الذي يعتصره الاسى وهو يتنقل بين اصحابه ليزرع الامل في نفوس خارت عزائمها وحل محلها الانهزام والانكسار النفسي بعد نكسة احد فكان الرسول ص رغم جراحاته الكثيرة وما اصابه من الوهن وحزنه على فقد احبته من اهله واصحابه الا انه كان كالبلسم على جراح المسلمين يبث الروح في جسد الامة المحتضر ويستنهض هممهم مجددا لتحدي الصعاب بعد هزيمتهم في معركة احد ليجعل من تلك الانتكاسة محطة انطلاق جديدة لاكمال المسيرة فالبلاء ظاهره بلاء ولكنه يستبطن الرحمة والنعمة ولهذا كان الرسول يوصي المسلمين بان يجتازوا المحن باستخلاص المنح الالهية منها ليؤسس بذلك منهجية متكاملة في التعامل مع البلاءات والمحن .
فانطلق رسول الله ص من هذا المبدا ليعمل على اعادة رص الصف الاسلامي المتصدع بعد النكسة وتدعيم ركائزه المادية منها والمعنوية ولعل من اهم ما عمل عليه الرسول ص هو الحالة النفسية للمسلمين الذين تخبطوا بين مشاعر الالم بعد الهزيمة ومشاعر الندم لمخالفتهم اوامر الرسول ص ومشاعر الحزن لفقدهم خيرة الصحابة .
ولاحتواء المحنة عمد الرسول ص الى تثبيت بعض المفاهيم في المجتمع المسلم منها مسالة المشاورة فقد كان راي الرسول ان يتحصن بالمدينة الا ان المسلمين اصروا على الخروج لملاقاة العدو مما اضطر الرسول الى الخروج من المدينة رغم كونه قرارا خاطئا الا انه اذعن لرايهم كي يؤصل لمبدا الشورى بين المسلمين .
وركز ص ايضا على امر طاعة الرعية للقائد فلولا ان رماة المسلمين خالفوا امر الرسول وبرحوا اماكنهم لما انهزموا في المعركة وكذلك فان الطمع المادي في الغنائم وغيرها يؤدي الى الفشل فالهزيمة (1) .
ومن اهم الامور التي كان يعلمها الرسول ص لاصحابه هي الاخلاص لله ولرسوله هو سر الشهادة فليس كل من قتل في المعركة شهيدا كما حصل في حادثة مقتل قزمان منافقا كما اخبرهم الرسول بذلك وبعد ام تحقق الصحابة من امره تبين انه كان يقاتل حمية لقبيلته وليس دفاعا عن دين الله ونصرة رسوله (2) .
ومن عبر احد هو كيفية التعامل مع الشائعات والاراجيف في الحروب فهي سلاح فتاك في المعارك كما حدث مع شائعة قتل رسول الله والموقف المشرف لانس بن النضر حيث احتوى الصحابة سريعا ودعاهم الى اكمال مسيرة الرسول ان كان حيا او ميتا .
وعمد الرسول ايضا الى بيان مكانة الشهيد في الاسلام والمواصلة بعدهم خاصة بعد ان استشهد خيرة الصحابة في احد وعلى راسهم الحمزة عم الرسول (الذي حزن عليه الرسول كثيرا لان العبد وحشي مثل به بامر من هند بنت عتبة اكلة الاكباد) ومصعب بن عمير وحنظلة بن ابي عامر المعروف بغسيل الملائكة وعبد الله بن عمرو وعمرو بن الجموح وغيرهم كثير فكان الرسول يذكرهم كثيرا ويهتم بعوائلهم فعلينا نحن ايضا ان نمجد تضحيات شهدائنا وندرسها لاجيالنا ونهتم لعوائلهم كي لا تذهب دماؤهم هدرا .
وللنساء حضور قوي ومهم في تلك المعركة فقد لعبن دورا فاعلا في دعم الرسالة ونصرة الرسول بمساعدتهن للمقاتلين ودفعهن لرجالهن الى ساحات الوغى وحثهم على الذب عن رسول الله ومن ابرزهن ام عمارة نسيبة بت كعب التي قال عنها رسول الله ص (ما التفت يمينا ولا شمالا الا وانا اراها تقاتل دوني) (3).
وايضا حمنة بنت جحش زوجة مصعب بن عمير حيث قتل خالها واخاها وزوجها ومنهن ايضا السميراء بنت قيس حيث قتل ابناها وهي تقول كل مصيبة بعد رسول الله جلل (4).
ولعمري انها مواقف عجز عنها الكثير من الرجال الذين هربوا عندما حمي الوطيس وحمل المشركون على رسول الله ص حملة رجل واحد ضربا بالسيوف وطعنا بالرماح ورميا بالنبل ورضخا بالحجارة فثبت القليل من الصحابة كامير المؤمنين ع وابو دجانة وسهل بن حنيف يدفعون عن النبي ص وكان قد اغمي عليه مما ناله (5).
ولثبات امير المؤمنين ع ودفاعه المستميت عن الرسول ص كان النداء السماوي (لا فتى الا علي لا سيف الا ذو الفقار) (6).
وبلحاظ ما تقدم يتبين لنا ان كل مسيرة ناجحة في اي ميدان من ميادين الحياة قد تعترضها احيانا بعض الانكسارات قد توقفها قليلا او تعرقل تقدمها والعظماء فقط هم من يتخدون من تلك الانتكاسة محطة انطلاق جديدة وهذا يعتمد على الحنكة وقوة الايمان والصبر ودراسة اسباب الفشل ومعالجة الاخطاء والاعتبار منها كي لا نقع فيها مرة اخرى اصافة الى النظرة الايجابية للانتكاسة نفسها وجعلها حافزا للتقدم ومواصلة المسير مجددا لا للتقهقر والقتور وندب الحظ .
الهوامش
(1) السيرة النبوية دروس وعبر ، مصطفى السباعي ، ص 87و 88
(2) السيرة النبوية ، ابن هشام، ج2 ص ح88
(3) المغازي ، الواقدي ، ج 1 ص271
(4) المصدر السابق ص 291و 292
(5) حياة محمد في احاديث الشيعة ، طالب السنجري ، ص 229
(6) معرفة نبي الاسلام ، محمد علي الحسيني ، ص31
وايضا امالي الطوسي 1 : 142 : ح 45