إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هؤلاء بناتي / "ووالدٍ وما ولد" بقلم: رجاء محمد بيطار

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هؤلاء بناتي / "ووالدٍ وما ولد" بقلم: رجاء محمد بيطار


    أيها الساكن محراب الضلوع، الساطع النور قبل أوان السطوع، فجرك قد سبق الطلوع، ورايات مجدك قد فردت على صفحة البحر تلك القلوع، فأبحرتَ بنا ثابت النظرة راسخ الخطوة في يمّ هذا التيه، فتعمّقت جذور مراسينا لتغوص فيه، وتجد رغم العمق المتغلغل في ثنايا التاريخ أرضاً تطؤها بثقةٍ ورأيٍ نزيه.. فها هناك، بين مثوى جدّك المصطفى وجدّتك سيدة النساء، سبحت عيناك الباحثتان أبداً في العلياء، وحملتَ من الحزن لفقد البضعة ما يزيد أضعافًا مضاعفةً على سنيّك السبعة، وأطلقتَ زفرتك الحرى لتطوي كثبان الصحراء وثنايا الفضاء، ما بين المدينة ومرو، باحثًا عن والدك الحبيب، المسافر قهرًا، المقتول سرّا، غريب الغرباء، الرضا المرضيّ، سيد أهل الأرض والسماء..!
    يا ابن الرضا...
    هناك، سرحتَ بنظرتك الباصرة، التي تهاوت أمامها حجب الدنيا والآخرة، ووصلتَ إليه... تمعّن بريق عينيك اللاهفتين بسناء عينيه، وتملّت سماتك الطفولية النقيّة بمرأى طلّته البهيّة، وأطرقتَ مهمومًا مغمومًا تفتّش في الأزمنة المطويّة عن أبوّته السخيّة، وتشتاق لضمّةٍ منه اشتياق البرعم الريّان للزهرة النديّة... إيه يا برعم الرضا الموعود، أيها التقيّ ذو الحجى والجود، أحقًّا قد بلغك بعلمك اللّدنيّ أن أباك قد قضى؟!
    وتدمع عيناك المقدّستان، وتزفر الآه تلو الآه، وقد أدركتَ أنك قد فقدتَه، وأن الظلمة القديمة قد فغرت فاها ثانيةً لتبتلع النور الذي علمتَه... ولكن، هيهات... ما كان للشمس أن يطفئها ضبابٌ ولا سحاب، بل هي تتوارى قليلًا ريثما يبحث السائلون عن الجواب...
    مولاي، يا من تكلّمت في المهد صبيا، فغدوت "عيسى" بني هاشم، وأوتيت الحكم والإمامة صبيا، فكنت "يَحياهم"، كيف كان حزنك على أبيك وأنت أول المطّلعين على بلواه، وأول من أخبر أهله في مدينة جده بأن يستعدّوا لإقامة عزاه، بعدما علمتَ رغم بعد الشُقّة أنه قد حمّ القضاء وبلغ البلاء منتهاه؟!
    لقد فرّقتكما يد الطاغية لتضعفكما، وما علم المأمون أن الأوصياء لا يفترقون، وأن علمهم كنزٌ مكنونٌ لا يدركه إلا العارفون، وأن الرضا، الذي ساقه ببغيه قسرًا من مدينة جدّه، ليس إلا شاهدًا على نقضه لعهده، وأنه كان ولا يزال وسيبقى ذاك الحقّ الذي توارثه بنو المصطفى بعده، ولم يكسب الطاغوت من غربته إلا توسيع رقعة محبّته، وتمكين القاصي والداني من معرفته، فكانت رحلته الصعبة بين الوطن والغربة، رحلةً لموعظته، حتى غدت سيرته خطًّا مرسومًا لشيعته، يقتفون أثر شريعته، ويترسّمون خطاه في مسارٍ لا متناه، يبدأ من الاعتراف بولايته، ولا ينتهي حتى ولو انتقل إلى جوار الله... فالصراط المستقيم هو مداه، وإمامته أمانةٌ يحملها عنه الأمين الذي ارتضاه واصطفاه بأمر مولاه...
    يا بن الرضا... لهفي لتلك الطفولة التي استطاعت أن تواكب آفاق الرجولة، لا في العلم والفهم والتقى وسمو المرتقى فحسب، بل في الصبر عند الشدائد، والعزيمة وكمال العقيدة التي تتضاءل أمامها أصلب العزائم وأكمل العقائد..!
    وأي شدةٍ أشدّ على الولد من فقد الوالد، وهو وحيده الذي لم يكد ينعم منه بسخاء الأبوة..! وأي مصيبةٍ أعظم على الإمام من فقد الإمام، وهو وريثه الذي لم يكد يتلقّى منه علوم الإمامة والنبوة..! ولكن، شاء الله أن يرى الرضا شهيدا، وأن يرى وحيده وحيداً، وأن يلتقيا، وتكون الملائكة على لقائهما شهوداً، ويسقيه من فيض كوثره أعذب الكلام، وأن يعوّضه عن فراق الليالي والأيام، وينقل إليه مواريث صفوة الأنام.
    لقد أكل السم كبده وهو في منأىً عن ولده... ولكن الرحمن أبى إلا أن تكون الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان، فيحتضن الحبيب حبيبه ويتعاهدان، وتغدو سنيّ الطفل دهوراً من العلم والعرفان، وتستمرّ شمس الإمامة مشرقةً بقدرة الواحد الديّان.
    مولاي، يا بن الرضا...
    السلام على والدٍ وما ولد، والحمد لله الذي عرّفنا حقّ محمدٍ وآل محمد، فهو الحق الحقيق الذي لا يقوى على طمسه شيءٌ ولا أحد، وهو بعين الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد...
    مولاي يا بن الرضا... مدد
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X