ازدياد حالات الطلاق في المجتمع العراقي أصبح ظاهرة خطيرة، حتى صرت اراها كأنها مرض نفسي يسري بسرعة بين العوائل، لا رادع يمنع ولا توعية توقظ الضمير، اين دور الباحثة الاجتماعية، ودور المجتمع المدني، ودروس الوعظ والارشاد الساعية لردم الفجوات الاجتماعية..؟
نستطلع ذهنيات الشباب لنعرف كيف ينظرون لهذه القضية، وأسباب هذه الظاهرة وامكانية معالجتها، فالحال ينذر بكارثة اجتماعية، لو بقي الأمر على هذا الوضع، والمحير بالأمر اننا مجتمع محافظ اسلامي ملتزم وهذه المحافظة لابد أن تزيد من وعي المشاركة والمواصلة الأسرية الجمعية، وأن يكون مجتمعنا الأقل نسبة في عمليات الطلاق من المجتمعات الاخرى، وهذه النسب المرتفعة تشكل هاجس قلق اضاف لدى الشباب مهمة معرفة الجهد المؤسساتي الرسمي، وعمل المنظمات وادارات الدولة.
انها معادلات مرعبة لحالات الطلاق المعلنة رسمياً، وحالات اخرى: كالترك والهجر التي تُترك للعلاقات الاجتماعية الاسرية والعشائرية بعيداً عن المحاكم، أمر يهدد مستقبل الطفولة والأسر العراقية.. فكان هذا الاستطلاع لمعرفة جوانب وخفايا هذه الظاهرة:
علي عباس – محامي:
العنصر الأساسي في تزايد عمليات الطلاق وفي الخراب الاجتماعي العام، يعود لغياب الثقافة الأسرية اللازمة لبناء علاقات سليمة، الزواج المبكر صار وسيلة للتخلص من قلق العنوسة، وتوفير الأسس المادية لسن النضج، وغالباً ما تكون من الأقرباء والمتمكنين منهم، لضغوطات الشباب المراهق على اهله بالتزويج بمن يرغب حتى دون النظر الى المتناسب والمتنافر بين العائلتين..!
بعض الأسر تنظر الى الزواج من باب القدرة والتمكن والمباهاة، وينتهي الزواج ان التي اختارها لا تمثل كل طموحه، وأغلب حالات الطلاق هي بسبب الأعباء المالية؛ لكونه من ذوي الدخل المحدود والمهن غير الثابتة الدخل وليس لديه قدرة التحكم بالإنفاق.
والأسباب كثيرة منها: التدخل المباشر من ذوي الزوج والزوجة، وحالات طلاق غير مبررة كان يمكن تلافيها لو فعّلت الجهات الاجتماعية مسؤوليتها، واليوم صارت الحالة عرضة للأحكام العشائرية التي لعبت دوراً في زمننا، قواعد وسنن اجتماعية لا تتفق مع اساسيات الدين ولا الأصول الاجتماعية السائدة، وانما طبع عامل الابتزاز التفاخر والتباهي.
دلال عبد الحسين – موظفة:
أرى أن السبب الرئيسي في حالات الطلاق في العراق هي التكنولوجيا الحديثة، التي أثرت بشكل كبير على النساء والرجال حيث أن أغلب حالات الطلاق، كان سببها المباشر أو غير المباشر مواقع التواصل الاجتماعي بجانب عدم الاتفاق والانسجام بين الزوجين، وغير أهلية بعض الشباب لتحمل اعباء الحياة الأسرية.
حالات الطلاق كان سببها ما أحدثته النظم السياسية، من نزوح وتمزق وتفكك البنى الاجتماعية مع عناوين الهوية الوطنية، وتراجع القيم الانسانية والتربوية.. وهناك أسباب كثيرة منها: دخول الفضائيات والمسلسلات الأجنبية، وما تضمنته من أفكار مما جعل الطلاق ظاهرة عادية مع وجود بعض المشاكل في المجتمع: كالانحدار الاقتصادي والاجتماعي والنفسي، مما اسفر عنه تفكك اسري، وتبقى المرأة هي الخاسر في مواجهة مفاهيم اجتماعية مغلوطة.
سالم رسول حسن – موظف:
قصتي مع الطلاق لا تُصدق..! فجأة وهكذا بدون مقدمات طالبتني عائلة زوجتي أن أسجل البيت والسيارة باسم ابنتهم، وأنا لا أعرف الأسباب التي دعتها وعائلتها الى مثل هذا الطلب النادر والعجيب.
وصل الأمر الى الطلاق، والعجيب في الأمر أن لا وجود لدور الباحث الاجتماعي اطلاقاً، هو موظف شغله (اسقاط فرض) مجرد سمع مني ومنها اسباب المشكلة حتى أحالها الى القاضي لاستكمال اجراءات الطلاق..! لا حرص لديهم على ترميم العلاقة وخلق روح التفاهم وتقريب وجهات النظر، أو طلب اعادة النظر في حسابات الزوج او الزوجة، حتى انه لم يقل على سبيل التذكر: إن أبغض الحلال عند الله الطلاق.. وطبعاً مسألة أن أتنازل وأسجل البيت والسيارة باسم ابنتهم، فهذا أمر يشبه الانتحار.
ماجدة حامد الطريحي - ربة بيت:
قصتي مألوفة عند المجتمع العراقي، يبدو لي أن قضية الانجاب أصبحت مسألة معروفة في قضايا الطلاق اليوم، تزوجت وأنا أحترم زوجي لعقليته الواسعة ونضوجه الفكري وثقافته وايمانه بالله، لكن ما إن دخلت جوّ العائلة حتى اصبحت تطالبني ومنذ الأسبوع الأول للزواج بالحفيد، وأخت زوجتي تريد أن تصبح عمة، وفي الاسبوع الاول من الزواج، وارادة الله قضت اننا لم نُرزق بطفل.
وقد عملنا الكثير وراجعنا العديد من الأطباء في الداخل والخارج من دون فائدة، عيشتني عائلته الجحيم، وانا صابرة، وأخيراً طالبت عائلة زوجي بالطلاق بحجة انهم يريدون اطفالاً، وحاولت كثيرا معهم واهل الخير والمعروف من الجيران والاقارب، لكن العائلة مُصرّة على الطلاق، مع ان زوجي ليس مع الطلاق اصلاً، لكنه مغلوب على امره ليس بيديه شيء، والأمر كله بيد امه وعائلته، وانا اعرف ان زوجي مثلي يعيش حياة بائسة.
الخلاصة:
تمحورت آراء الشباب نحو اسس القضية، وبحثوا في جميع غاياتها، لكنهم كانوا يركزون على الأسباب باعتبار معرفة السبب نصف الحل او لنقل نصف المعالجة، ونستطيع من خلال المحاور المعروضة ان نقرأ مقترحات الشباب، فنرى ان على الاسر ان تترك فترة خطوبة اطول، تكون لزيادة التعرف على المخطوبين نفسياً وسلوكياً، ولابد من التأني في الاختيار للوصول الى الاختيار السليم لشريك الحياة.
ولابد للنظر الى التوافق بين الطرفين من الناحية الثقافية والاجتماعية والنفسية مع النظر حول أمور السكن والعمل والمورد الاقتصادي، لتعيش الزوجة حياتها على وضوح الرؤية، ولابد من أخذ الباحث الاجتماعي لدوره الانساني، فلذلك اجد من الأوجه ان تكون للباحثة الاجتماعية كامرأة حضور انفع وزيادة اعدادهن لمواجهة حالات الطلاق، ومعرفة الأسلوب ووضع الحلول والمتابعة الميدانية التي بطبيعة وجودها ستخلف الراحة لكلا الفريقين، ونشر الوعي القانوني الذي يبين مضار ونتائج الطلاق، وما يؤديه من خراب البيوت ويخضع النفوس والنظر باتجاه ضحايا الطلاق من الأطفال، وعدم تدخل الآباء والأمهات وفرض طرق العيش باعتبارهما عاشا التجربة لكن بغير هذا الزمان.