هي غزوة استثنائية من غزوات الرسول ص من حيث توقيتها واسبابها وظروفها واحداثها ، غزوة انهار فيها اخر معاقل يهود المدينة المنورة وانتهى حلم قريش بحليف قوي لها داخل المدينة ، انها غزوة بني قريظة ، وبنو قريظة هي قبيلة من قبائل يهود يثرب الذين امتهنوا الزراعة فازدهر اقتصادهم وتميز بنو قريظة عن قبائل اليهود الاخرى بقوة عسكرية مسيطرة على المدينة وما يجاورها حيث امتهنوا ايضا صناعة انواع من الاسلحة (1).
والسبب الرئيس لهذه الغزوة هو نقض بنو قريظة العهود والمواثيق التي عقدوها مع النبي ص اول هجرته الى يثرب والتي نصت على ان لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وهم احلاف اذا تحاربوا والا يغدر احدهم بالاخر وان لا يظاهروا عدوه وان ينصروه على من داهمه (2) .
وغدر بنو قريظة بالمسلمين في معركة الخندق بتحريض زعيم بني النضير حيي بن اخطب بطلب من ابي سفيان بنقض العهد ومساندة الاحزاب وبلغ الرسول ذلك فارسل وفدا من الصحابة ومنهن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة واسيد بن خضير الى قلاع بني قريظة للتحقق من الامر واقناعهم بالعدول عن امرهم الا ان حيي بن اخطب مزق صحيفة العهد وقام زعماء بني قريظة بسبهم وشتم الرسول ص ونالوا منهم اقبح الكلام وشتموهم في الاعراض(3) ، ولا يخفى التاثير السلبي لهذا الامر على معنويات المسلمين وهم في حرب الخندق مع ما للمكانة الجغرافية لقلاع بني قريظة بحيث يسهل عليهم مهاجمة المسلمين من الخلف اثناء قتالهم مع المشركين ، وبدا غدر بني قريظة بمحاولة مباغتتة المسلمين ليلا باغارتهم على نساء وذراري المسلمين حتى انتهوا الى البقيع فتصدى لهم المسلمون فانهزم القرظيون (4) اضافة الى عمليات دهم واختطاف لحرس المسلمين على ممر قلاعهم الى ثغور المدينة (5) مما جعل الرسول يامر بنقل الذراري والنساء الى مكان امن ، وفي ظل هذه الظروف الحرجة للمسلمين من حفرهم للخندق في جو قاس شديد البرودة وقتالهم مع المشركين وخوفهم من مهاجمة بني قريظة للمدينة من الخلف تجلت حكمة الرسول ص في الحرب حيث اقر مبدأ (ان الحرب خدعة) (6) بعد ان استأذنه نعيم بن مسعود في ايقاع الفتنة بين اليهود والمشركين فاذن له مما سهل انهزام الاحزاب وتفرقهم وفي ظهر ذلك اليوم الذي تفرقت فيه الاحزاب اتى جبريل ع الى الرسول ص بهد ان وضع سلاحه فقال له : فما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الان الا من طلب القوم ان الله عزوجل يامرك يا محمد بالمسير الى بني قريظة فاني عامد بهم فمزلزل بهم (7) فامر الرسول الناس بان من كان منهم سامعا مطيعا فلا يصلين العصر الا ببني قريظة ودفع الراية الى الامام علي ع وهي لم تحل بهد منذ رجوعهم من معركة الخندق ( وبرزت طاعة المسلمين الشديدة للرسول في اصعب الظروف فهم لم يستريحوا بعد من معركة الخندق بعد والتحقوا بالرسول لحصار قلاع بني قريظة الذي دام خمسة وعشرين يوما استمرت فيها مفاوضات اليهود حبث رفضوا الدخول في الاسلام ورفضوا دفع الجزية وفضلوا القتال -مع علمهم بانه النبي المذكور في التوراة كما اوصى ابن خراش وهو احد علمائهم بتصديقه واتباعه واقراءهم السلام عنه عندما يلقونه (9) وطلبوا حلفائهم من الاوس للتفاوض واختاروا منهم ابي لبابة الذي خان الرسول ص عندما لم يبرز رحمة الاسلام وخوفهم بالذبح فندم على فعلته في قصة مفصلة ربط نفسه بجذع نخلة ست ليال يسال الله التوبة حتى تاب الله عليه بايات من القران وفي قصة ابي لبابة وتوبته الكثير من العبر والمواعظ في حسن التفاوض وادب الحوار مع الاعداء وكذلك ادب التوبة الى الله ورسوله (10) .
وفتح الله على النبي ص بامير المؤمنين باستسلام بني قريظة وما القاه الله عزوجل في قلوبهم من الرعب فيه (11) عندما صاح بهم : والله لاذوقن ما ذاق حمزة او لافتحن حصنهم فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ (12) وحكم فيهم سعد بحكم التوراة ونزلت الايات في هذه الغزوة من سورة الانفال 56_ 58 وايتي 26 و 27 من سورة الاحزاب (13) .
ورغم المحاولات اليهودية باثارة الشبهات حول هذه الغزوة كجزء من مخطط الحرب الايديولوجية لتفسيخ المجتمع الاسلامي وتفكيكه وتشويه معالم السيرة النبوية والقران الكريم الا ان دروس وعبر هذه الغزوة ستظل الوهج الذي ينير طريق المسلمين حتى المعركة الاخيرة مع الامام المهدي عج الذي يقضي فيها على اليهود في اخر الزمان .
الهوامش
(1) العربية بدون توابل ، فرضيات بديلة ، هيك ص 547_ 567
(2) المغازي للواقدي ج 1 ص 454
(3) المغازي للواقدي ج1 ص 458_459 وسيرة ابن هشام ج2 ص 221_222
(4) مغازي الواقدي ج 1 ص 462
(5) مغازي الواقدي ج 1 ص 460_462
(6) مغازي الواقدي، ج1، ص486
(7) سيرة ابن هشام ج2 ص 234
( مغازي الواقدي، ج1، ص497.
(9) مغازي الواقدي، ج 1، ص 516
(10) راجع سيرة ابن هشام ج2 ص 237
(11) حياة محمد ص في احاديث الشيعة ، طالب السنجري ص 252
(12) سيرة ابن هشام ج2 ص 240
(13) سيرة ابن هشام، ج3 ، ص 265 - 266 ؛طبقات ابن سعد، ج 2 ، ص 75