يبرز الدور المعرفي لاستثمار التفسير القرآني من خلال الولوج الى العمق النصي، والارتكاز عليه كمورد للبحث في بؤر الواقع التاريخي. والشيخ الجليل علي الجزيري من السعودية قدم بحثه (إلماعة على فضل علي عليه السلام)، وهو من بحوث مهرجان ربيع الشهادة الثقافي العالمي الذي تقيمه العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية.
ارتكز البحث على فهم معرفي فكري يرتبط بعملية القراءة احداث التاريخ بمرجعية قرآنية، وتداخل مثل هذه البنى الجوهرية دليل على أن التاريخ الرسالي المبارك ينهل من مفاهيم القرآن الكريم من حكمته ومعناه، ليبين لنا العلاقة التكاملية بين الرمز القرآني (هارون) والرمز التاريخي المقدس امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).
يتابع الشيخ الباحث تحليله للخطاب القرآني بأسلوبية تفكيك النص، فوجه الانظار الى طلب النبي موسى (عليه السلام)، استعدادا لمواجهة فرعون، إذ طلب أن يشرح له صدره، وأن ييسر له امره، ويحلل عقدة من لسانه ليفقه قوله.
هذه امور طلبها لنفسه لندخل مرحلة ثانية وهي ((وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي {29} هَارُونَ أَخِي {30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)) {طه/32}، والنبي محمد (ص) قال لسيدي أمير المؤمنين (عليه السلام): ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي).
وجه الأنظار الى مفردة (اجعل)، وتعني أن المناصب الممنوحة لهارون (عليه السلام) هي جعل من الله (جعل الهي)، وإلا لقال: اللهم انا جعلتها لهارون مني، (اجعل) حددت القدرة، فالنبي موسى (عليه السلام) طلب مقتضيات الحال لتقوية المقدرة في اداء الرسالة، ومواجهة فرعون، اي بمعنى آخر لو كانت منزلة هارون ممنوحة من النبي موسى (عليه السلام)، هذا الاستخراج المضموني يجعلنا نشيع البحث الى عمليات التحليل والتفكيك، نجد ان النبي (ص) استثنى النبوة ليبين ان منزلة علي (عليه سلام الله)، ليست بجعل من النبي (ص)، ولو كان هذا الجعل بيد النبي (ص) لما احتاج الى ان يستثني النبوة، إذ منزلة علي (عليه السلام) هي التي طلبها موسى (عليه السلام) لهارون: "اجعل لي وزيرا" والامام علي (عليه السلام) كان وزيرا للنبي (ص)، يمهد لنا قراءة لجملة قرآنية اخرى من اجل استعمال التوليد المضموني الذي اساسه الوعي والفكر، وبناء العقل من خلال ربط الوحدات النصية لعملية استخراج ناتج، هو(هارون اخي) يعود بنا الى مفهوم المجانسة، مثلاً ابن نوح قال عنه القرآن: انه ليس من اهله؛ لأن لا مشاكلة ولا مجانسة بين نوح (عليه السلام) وابنه، بينما القرآن الكريم اثبت ان هارون من اهل موسى (عليه السلام)، وبحكم كلام النبي، فإن علياً من اهل رسول الله هو نفس النبي محمد في القرآن (وانفسنا وانفسكم) في سورة المباهلة، وآخى بينه وبين علي (عليه السلام)، وأشركه بأمر رسول الله (ص).
قدم لنا الباحث الشيخ علي الجزيري بحثاً ذكيا له القدرة على الاثراء النصي التاريخي من حيث تقديمه عبر ثقافته الثرية.