ترى ما الذي لفت انتباهها وهي تعيش وسط هذا الترف، وما الذي شدها إليه وهي تتمتع بكامل الكياسة والريادة والشرف ؟
أسئلة كثيرة راودتني وأنا أفكر في ظروف زواج النبي الأكرم (صلى) بالسيدة خديجة سيدة قريش الأولى .
لماذا رفضت خطبة الكثير من سادات قريش آنذاك ؟
ولماذا لم تفكر كتفكير باقي النساء في اختيار شريك يضيف إلى مالها مالا !
ولماذا تركت نعيم الدنيا وبهرجها الأخاذ واختارت طريقا لم تألفه من قبل محاطا بالاشواك والصعاب!
ما الذي حرك وجدان هذه المرأة العفيفة الحرة ، وما السر في اختيارها لرجل فقير أعملته في تجارتها ؟
ظلت الأسئلة تدور في داخلي وأنا أبحر في مسرح الأحداث وظروف ذلك الاقتران المبارك
واسبر أغوار الماضي واقلب صفحات التاريخ تتبعا وبحثا.
لقد هامت امرأة العزيز بنبي الله يوسف (ع) فأخرجها ذلك الهيام من مدار الاحترام والهيبة والوقار، قد شغفها حبا رغم إنها كانت منعمة في حياة مترفة لا ينقصها شيء.
فان كان جمال يوسف(ع) قد جذب زليخا حتى افقدها رشدها فما الذي جذب السيدة خديجة (رض) لمحمد (ص) ..؟
كل الأخبار تفصح أن خلق النبي الأكرم (ص) كان المعيار الأول في ذلك الاختيار السديد ، لقد شغفت بخلقه الكريم وصفاته الفريدة ، حتى بادرت بخطبته لنفسها الكريمة اختيارا عقلائيا رشيدا .
ومن هنا لابد أن نستلهم العبر والمواعظ لا أن نمر مرورا سرديا نمطيا، لان حراك الأمة وامتداد عطاءها يستحصل من فيض القدوات الملهمة المتألقة في دنيا الإسلام، عن طريق قدح المواعظ واستنطاق العبر من مواقفهم النبيلة المؤثرة .
أول درس للأجيال في زمن ارتفعت فيه أفق المادة المجردة لتشمل نواحي الحياة قاطبة ، دعوة لعودة المرأة لرشدها لدى اختيار شريك الحياة والنظر مليا وبعيدا عن كل اعتبارات المال والجاه ، والتركيز في صفاته الأخلاقية واعتباراته السلوكية وقيمه ومتبنياته الفكرية
من فحوى الزواج المبارك ترتسم معالم الأدب الجم الذي خفق في ثنايا بيت الإسلام الأول والتالف الروحي والاندماج الفكري مع الأخر والذوبان مع قضايا الحق والفضيلة، إن بيت أسس على التقوى له من ارسخ البيوت وأوثقها وهذا هو الدرس الثاني .
وقوف الزوجة الصالحة جانب زوجها في مواقف مشرفة وصمودها أمام التحديات، وبذل الغالي والنفيس ومشاطرة الشريك شظف العيش وجشوبة الحياة كان هو الدرس الثالث.
رابع الدروس والعبر يتمثل في رسالة للمرأة تمتد عبر الفيافي والأعوام مفادها أن اتركي بهرج الدنيا وزخرفها، وانطلقي في رحاب الإسلام لتسجلي شوطا مميزا عبر رحلة الحياة القصيرة لتكوني ذا اثر مميز يشار له بالبنان والسداد.
خامسها ..أنت أم قومي إذن بدورك على أتم وجه، وأنتجي في مصنعك أفرادا مميزون خلقا واستقامة، وجاهدي نفسك لأجل إدخال السرور على قلب النبي المصطفى، وهو القائل : « تزوجوا فانّي مكاثر بكم الاُمم غداً في القيامة » (1)
ختامها مسك ..إن عنفوان الحياة الزوجية عند اشرف بيوتات الإسلام كبيت رسول الله (ص) وبيت الإمام علي (ع) يتمثل في البساطة والدعة والتواضع، فمع علو شانهم عند بارئهم إلا إنهم كانوا اشد الناس تواضعا وبساطة، وهذا ما لاح جليا مع زوجاتهم الكريمات عبر أقوالهم وأفعالهم وهيئاتهم وبيوتهم .
فأين نحن منهم ..
وهل انتهلنا قبسا من نور تلك البيوت المطهرة ..؟
وهل أحببناهم وواليناهم فعلا وسلوك ؟!
سؤال يدور في مدارات النفس الأمارة بحثا عن الإجابة الصادقة .. والله ولي التوفيق .
(1) وسائل الشيعة 21 : 358، ب 1 من أحكام الأولاد ، ح 1