من الحقوق الدينية للأولاد على الآباء أن يختاروا لهم اسمًا جميلًا غير مستهجن، وقد ورد الحث على اختيار الاسم في روايات كثيرة:
قال النبي الكريم (ص): «من حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن أدبه»، وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: «أول ما يبر الرجل ولده أن يسميه اسمًا حسنًا، فليحسن أحدكم اسم ولده».
من خلال هذه الأحاديث الشريفة، نفهم أن الاسم له تأثير كبير على المسمى من الناحية النفسية والاجتماعية، فقد يعطي الاسم انطباعًا سلبيًّا أو إيجابيًّا، فالأب يستطيع أن يعكس هذا الاسم نحو الإيجاب أو السلب، فإن سمّاه اسمًا طيبًا سيؤثر على الصبي تأثيرًا إيجابيًّا، وعكس ذلك إذا سمّاه اسمًا غير مناسب، لذا كان النبي يغيّر بعض الأسماء التي سُميت في الجاهلية، فعن الامام الصادق (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال: «كان الرسول العظيم "صلى الله عليه وآله وسلم" يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان».
كان العرب يسمّون أولادهم بأسماء تدلّ على الصلابة والخشونة؛ لكثرة الحروب، فكانوا يهولون على العدو بأسماء أولادهم، ويسمّون عبيدهم بأسماء حسنة، فيقول العرب: «أولادنا لحروبنا، وعبيدنا لنا».
حثت السنة المطهرة على تسمية الصبي أو الصبية بأسماء الأنبياء والأوصياء والسيدات الفاضلات كالصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام).
الإمام حينما سمّى وليده قمر العشيرة (عليه السلام) بهذا الاسم، كان يعلم جيدًا سبب هذه التسمية، والعباس في المصطلح اللغوي (عبس، يعبس، عبسا: عليه قطب ما بين عينيه، ورجل عباس من قوم عبوس، ويوم عابس وعبوس شديد، والعنبسي من أسماء الأسد أخذ من العبوس)، والعباس اسم من أسماء الأسد.
وقيل: العباس الأسد الذي تهرب منه الأسود، العبوس والعباس اسم علم.
لقد اختار أمير المؤمنين(عليه السلام) أسمًا لولده الطاهر، وهو لائق بصفاته العباس، أي عبوس شديد على الكافرين رحيم بالمكرمين، وقد وصف الله سبحانه وتعالى رسوله الأكرم ومن معه بهذا الوصف قال تعالى: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ...» [الفتح/29].
قيل العباس كشدّاد: الليث الضاري، كانت الأعداء ترجف أياديها، وترتعد مفاصلها، وتعبس وجوههم إذا برز إليهم، فلقد أبلى العباس بلاء حسنًا في يوم الطف، العباس يمتلك شجاعة لا يملكها أحد غيره، لذا سمّاه الإمام بهذا الاسم لعلمه بشجاعة وصوته وصولته وعبوسته في قتال الأعداء يقول الشاعر جعفر الحلي:
عبست وجوه القوم خوف الموت
والعباس فيهم ضاحك مبتسم
بطل تورث من أبيه شجاعة
فيها أنوف بني الضلالة ترغم
- حق الأبوين في تأديب الطفل
تعدّ الأسرة بمثابة المدرسة الأولى للطفل، وعلى الأبوين أن يُهيّئا الظروف المناسبة في محيط الأسرة، ولهذا فقد جاءت الروايات الاسلامية توكد على المسؤولية العظمى للوالدين في تأديب أطفالهم؛ لأن قلب الطفل كعدسة تصوير يلتقط الصور المختلفة من أفعال والديه وأقوالهم، وتعدّ مشاهداته في دور الطفولة منهجًا لحياته المقبلة، لهذا يجب أن نهتم بالتعاليم الصالحة التي يتلقاها الطفل من والديه ومعلميه، فقد يتأثر الطفل بمشاهدة عمل ما أو سماع كلام ما يبقى أثر ذلك مدى الحياة، وربما أدّى إلى قلب مجرى حياته بصورة تامة.
إن سلوك جميع أفراد البشر وأساليب معاشرتهم مع الناس، إنما هو خلاصة الأساليب التربوية التي اتخذت معهم خلال مرحلة الطفولة من قبل الآباء أو الأمهات في الأسرة أو من قبل المعلمين في المدرسة، فكل خير أو شر تلقّوه من آباءهم في أيام الطفولة، يظهر على سلوكهم عند الكبر عندما يصبحون أعضاء في هذا المجتمع الانساني الكبير، وبعبارة أخرى فإن الوضع الروحي الخلقي والسلوكي للناس في كل عصر هو الأسس التربوية التي نشرت في أدمغتهم أيام الطفولة.
أما أبو الفضل العباس(عليه السلام) فهو أديب الأئمة، فقد تربّى بين من زكاهم وهذبهم الله تعالى وبصّرهم، فقد تربّى العباس بين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فصار العباس مُهذبًا مؤدبًا يحمل بين جوانبه جميع المكارم والمحاسن الجميلة، فمعلمه الأول أبوه علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي تربى في حجر الرسول العظيم محمد (ص) وأخذ منه جميع العلوم، ومنها العلوم التربوية، فقد تعلم من رسول الله كيفية بناء الانسان بناءً كاملًا منذ صغره حتى بلوغه.
لقد ربّى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبناءه على هذا النحو، فكانت تربيتهم تربيه محمدية هاشمية علوية، منهاجها واحد، لذا نجد الإمام العباس (عليه السلام) لم يقل لأخيه الحسين أخي، وانما يناديه سيدي، إلا حين مصرعه فقد ناده أخي، وذلك حينما قطعت يداه، وأصابوه بعمد على رأسه وسقط على المشرعة، فحينها نادى: أخي، فكانت غايته بيان معنى الإخوة.
من الآداب التي تعلّمها أبو الفضل العباس (عليه السلام) عدم الكلام في حضرة أسياده، وعدم البدء بالكلام وإبداء الرأي معهم، فلم نقرأ في كتب التأريخ أن العباس خالف أخاه أو أبدى له رأيًا، وهذا دليل على أنه عالم فاضل يعرف من هو الحجة.