عشر سنوات أو أكثر وأنا اتأمل في ملامحها الفكرية، حضور خجول مع قوة المنجز ، الكاتبة ـــ بارعة مهدي بديرة ــ كاتبة مسرحية صاحبة مسرحية على ظلال الطف التي قدمتها العتبة العباسية المقدسة وعرضت في كربلاء وكانت من اخراج الدكتور علي الشيباني ، كنت أنوي اجراء حوار ثقافي معها لكني وجدتها تحمل ذاكرة خصبة مفعمة بالامل ، وهي تحدثني عن معلمها الاول ، عن الاب الاستاذ مهدي بديرة ، لهذا قررت ان يكون موضوعنا الحواري عن منجز الاستاذ مهدي بديرة استاذ اللغة الانكليزية ، لا اعرف ما الشكل الذي يقتضي ان اكتبه ... قصة ... حكاية ... مقال .. كل الاشياء لا تقدر ان تصل الى عمق العاطفة الجياشة ، مع أن كل شيء قابل للسرد حتى الدمعة ... الحزن .. وابتسامة الواثقين ... الكلمة ، أدرك معنى القلق الذي يعتريها ، فمنزلة أب بثقل الاستاذ مهدي بديرة أكبر من كل اساليب الكتابة ،
:ـ عاش أبي رحمه الله يتيم الأب ، اشتغل ..كافح ودخل الجامعة من تعبه وجهده وتخرج منها دون ان يحتاج أحد ، لم يمد يدا لأحد عانقت فكري صورة لشجرة صارت تكتمل كلما قادت بارعة التفكير الى ما يسرني وكأني ارآه ، وهو يذهب ماشيا الى بيوت الطلاب يعطيهم الدروس الخصوصية لتحسين دخله المادي
:ـ بارعة انا رأيت أباك
:ـ اين ؟
:ـ فيك أنت ، في وميض ذاكرة تقدح بالطيب ، في حنكة الجمل الصارخة بالحزن، ببهجة السرد وهو يبهج النص ، تقول عندي الدنيا هي ( بابا ) يا أجمل ما أمتلكت لغة الله ، حقق احلامنا ومضى لكنه لم يحقق حلمه لذلك كلما ارى بيت الله أبكي ،
فكرة مخيفة ان يموت لك أب ، قلت لأقترب أكثر الاستاذ مهدي بديرة ولد في دمشق عام 1933 م ذكر اسمه في معجم المؤلفين للقرن العشرين ،
ربما ستلهمني الكلمات بعض الذهول ، اهذا كل ما يقدمه العالم لمفكر ؟ أمتلك الوعي بحيوية اللغة الانكليزية وفاعليا بوصفها ، حسب تعبير الدكتور علي مجيد البديري بوصفه جسرا موصلا بين الشعوب بل اصبحت هوية التقدم العلمي، والتدريس كما هو معروف عمل شاق ، عبارة عن اساليب تحتاج الى جهد يميز الابداع ، بالمناسبة الدكتور علي مجيد البديري كتب عن الاستاذ مهدي بديرة موضوعا رائعا اعتمدته في تسطيري مرجعا أرتكز عليه ،
قلت لأجاري الكلمات ـــ الدموع التي كتبت أول سطوري ــ دموع بارعة مهدي بديرة ــ والله حين تصير الدموع كلمات ــ قناديل من حروف تفترش الذاكرة ،
أوه على ذكر القناديل ، الدموع التي تكتب الاحلام ، الضوء الذي يسري في خاطر كل حرف ، تفتح الكلمات عينيها لتبعث خواطر مثقلة بالضمير ـ،
:ـ التمست جهود أبي في تعليم اللغة الانجليزية بالتواصل الذي لا يعرف الملل. ، كل شيء قابل للسرد ، والقلوب صحف تدون عليها اضاءات ـــ سير حياتية لعالم اسمه أبي ــ الاستاذ مهدي بديرة ، مارس التعليم في عدة مؤسسات تعليمية وثقافية في سوريا منذ حصوله على ليسانس في اللغة الانجليزية وأدآبها ، شهادة دورة تطويرية / يونسكو وشهادة ترجمان محلف ، وبلغت مدة سنوات تدريسه في المدارس الخاصة والعامة 33 سنة ، لينحني السرد أجلال لتأريخ ينبض بالابداع ، محكوم بالحياة ، التي تتخطى الموت الى أسمى خلود يجتذب النداوة المعطرة ، يثمر العلم وزكاة المعرفة ،
لهذا سأحاول أن احيا في معناه ، واتابع التأريخ الحافل بالجد والاجتهاد ، من المؤسسات التي درس فيها الثانوية المحسنية / ثانوية دمشق الوطنية / مدرسة أبن هاني الاندلسي / مدارس ابناء الشهداء / مدرسة خير الدين الزركلي/ وحوزة الامام الخميني / حوزة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، /
والمستشارية الايرانية / مركز البحوث العلمية بدمشق ،
:ـ ها بارعة طوبى لك بتلك الذاكرة التي لا تقدر ان تعيش دون روح النبع ، روح العلم والمعرفة والثقافة والتربية بنبع يتدفق عقول، والآداب عقول ورموز ترتقي للتواريخ وقد تخرج على يديه متخصصين وممارسين للعمل التربوي منهم السيد عبد الله نظام وكيل المرجية الدينية في سوريا ، وغسان خضر والمهندس أحمد روماني ود ماجد بديري والاستاذ عدنان عيسى وغيرهم
تجيبني بارعة :ـ أدركت ان من يترك للناس علمه ، يصير صوتا يردده العقول ، العلم ينمو ، يكبر في الناس فيصير ناس ،
،
الامم بالعلم تنمو وليس بالشعارات والسياسات والغي المكين ،
تقول بارعة أفخر أن أبي ترك لي أهم مؤلفاته ،
( موسوعة قواعد اللغة الانجليزية في ثلاثة أجزاء بواقع 1010 صفحة صدرت عن مكتبة الرازي بدمشق )
:ـ العلم قادر ان يشبع الجائع ويكسو العاري ويسقي العطشان ، ويتوج القرابين وينهج بركة لذلك تخشاه السلطات ـــ العلم ثورة ، يقول الدكتور البديري الكتاب أختص بمجموعة الاسم ، وتخصص بتناول تعريف الاسم وانواعه ، البسيطة والمركبة ومفرد الاسم وجمعه وتذكيره وتأنيثه وحاله من حيث الرفع والنصب والاضافة والتملك والنداء والمخاطبة وأدوات التعريف والتنكير وطرق تشكيل الاسماء والقسم الثالث تناول الصفة وتعريفها وانواعها وتشكيل الصفات ، ساد حينها سكون عجيب حتى بلغت حرفي وفي تلك اللحظة كتبت صوتها أو ربما صوتي لا اعلم الذي اعرفه أني كتبت بعض الاصوات المدركة كي لا يعرش يوما الغموض ، وأدركت أني أكتب فعلا ، كيف أخطرت فكرة الكتابة ؟ عندما تصير القلوب كلمة ممكن ان نكتب ذواتنا ودمعنا وسهر الليالي وسماء الوداعة الوديعة ،
:ـ هل يمكن ان يطلع التأريخ من قلب وريثة العلم والثقافة ؟
كتب الدكتور علي البديري ان الكتاب الثاني تضمن تعريف الضميروأشخاصه وانواع الضمائر ،
والقسم الثالث الصفة تعريفها وانواعها وتوافقها ومواقعها ، ثم تشكيل الصفات ومفاضلتها ،
كيف للافكار ان تتحد لحد تحشد الازمنة في مشهد ، يطلع التأريخ من كتبه ،أنا ارى في كل حرف دمشق ، وارى الشمس التي لا تغيب ، لكن هل من ممكن ان نعيد صياغة التاريخ ؟ ، ثم تسألني وهذا يعني ممكن ان يعود أبي ثانية في كتاب ؟،:ـ هو متى رحل كي يعود ،
يقول الدكتور علي مجيد البديري ، أختص الكتاب الثاني بمجموعة الفعل واشتمل على قسمين ، تعريف الفعل وبيان انواعه والكثير من المواضيع ،
تسألني بارعة
:ـ ما هي الفكرة التي شغلتك ؟ ، قلت الذاكرة الضوء ، ترك لك الوالد كنوز من ذهب العلم ، قناديل يراها البعض اوراقا وانا اراها من دم ولحم ، ماذا كان ابوك يسمي النخل والشجر والتين والزيتون ومشكاة نور ،
سألتني هل شعرت بقلبي الذي ينزف الذكرى بابجديات تلك الكتب التي عنونتها انت ينابيع؟ ،
قال الدكتور البديري الكتاب الثالث أختص بمجموعة كلمات الوصل ، حرف الجر تعريفه وعمله وحرف العطف تعريفه وانواعه ،
:ـ الحق أني لا أعرف ما الذي أكتبه ، لكني استبعد ان يكون بعيدا أو غريبا ، اتدرين صرت أسمع صوته وهو يحاضر .. يشرح لي عن مؤلفاته
:ـ الفت كتابين في قواعد الكتابة والتلفظ صدر عن مكتبة الرازي ذاتها عام 1976م حمل الكتاب الاول عنوان قواعد كتابة اللغة الانجليزية وتضمن عدة اقسام ، وحمل كتابي الثاني عنوان قواعد لفظ اللغة الانجليزية ،
الكلمات لاتسع هذا النهوض عندي ان مثل هذا الأرث العلمي يعني هو الفوز المبين ، الا يضمن قدسية الفوز في فكر الدين؟ أم تراني اعيد هذا المسعى الى حب الصلاح ؟ ، لابأس ان المشاعر ذات القوى العظيمة تكفل الغلبة الشعورية وتصطرع في الدماغ ، فضاء من أرجوان وحلم يتنامى ، سلامات وأكليل شمس ومطر ، عوالم من ورق وحياة بامتياز ، والعلم لا يموت ،
همس في أذني
:ـ اشتغلت في مجال الترجمة وأصدرت ( قواعد الترجمة من الانجليزية واليها ، عام 1976م اشتمل على نماذج مترجمة لقصائد الشعراء وبالمقابل نصوص لشعراء عرب ، كنت أصغي الى بارعة وهي تتنفس معنى ان تحلق في منجز أب رحل وبقى فيه وفي من يقرأ ، انفاس اسمعها تتصاعد صرت أدرك ما يشيده العلماء ،
النوافذ المنيرة .. الشمس ... السماء .. الناس
:ـ هل رأيت يوما كيف يرتقي الناس على صفحات كتاب ؟
تجيبني بارعة
:ـ كتب أبي حفظتها في دمي قبل الرفوف ، اضاءت مئذنة ، رفعت فيها راية النصرة وناديت يا حسين سلام الله عليكم ، كان أبي يحمل العشق الحسيني في روحه وقلبه
:ـ اتعلم أن لأبي مخطوطة لم تر النور الى الآن
:ـ بارعة ضاق بالمعنى فضاء ، وخير عبارة للوداع هي قراءة سورة الفاتحة على روح المرحوم مهدي محمد بديرة الفاتحة