(ضِغْثًا):
قال تعالى: ((وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)) {ص/44}، جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي (الضغث): ملء الكف من الحشيش أو الشماريخ وما أشبه، وكان قد حلف على امرأته لأمر أنكره من قولها: لئن عوفي ليضربنها مئة، فقيل له: (ضغثا) بعدد ما حلفت، فاضرب به دفعة واحدة، فانك اذا فعلت ذلك، فقد بررت قسمك ولم تحنث، فأخذ عذقاً مشتملاً على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج عن يمينه.
يقول السيد مكارم الشيرازي: تتحدث الآيات عن حياة النبي أيوب (عليه السلام) فقد كان أنموذجاً حياً للصبر والاستقامة، وذلك لتعطي درساً لمسلمي ذلك اليوم ويومنا الحاضر وغداً.
وفي تفسير نور الثقلين سُئل الامام الصادق (عليه السلام) عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لأي علة كانت؟ فأجاب (عليه السلام): لنعمة انعم الله (عز وجل) بها في الدنيا، وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب ابليس دون العرش، فلما صعد ورأى شكر أيوب (عليه السلام) حسده ابليس فقال: يا رب، ان أيوب لم يؤد اليك شكر هذه النعمة الا بما اعطيته من الدنيا، ولو حرمته دنياه ما أدى اليك شكر نعمة ابداً، فسلطني على دنياه حتى نعلم، ولكي يوضح الباري (عز وجل) اخلاص أيوب للجميع ويجعله أنموذجاً حياً للعالمين ليشكروا النعمة ويصبروا حتى البلاء نتسلط على ماله وولده، فازداد أيوب شكراً وحمداً، وسلطه على زرعه فازداد أيوب شكراً، وأهلك بدنه فازداد شكرا، وقعت حادثة كسرت قلبه وجرحت روحه عندما زاره مجموعة من رهبان بني إسرائيل قالوا: يا أيوب لو اخبرتنا بذنبك، ولم يبتلِك الله إلا من أمر كنت تستره..! فقال أيوب: وعزة ربي لم ارتكب أي ذنب، وما أكلت طعاماً إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي.
(وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ):
قال تعالى: ((فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ {36} وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ {37} وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ {38} هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)) {ص/39} جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: أي وسخرنا له الشياطين من الجن، كل بناء منهم يبني له في البر، وكل غواص يعمل له في البحر فيستخرج اللآلئ وغيرها، وآخرين مقرنين في الاصفاد أي موثوقون في الأغلال ممن تمرد وعصى وامتنع عن العمل وأبى.
وفي تفسير الوسيط، استجاب الله لمن غفر له وورد عليه ملكه وزاده ملكاً، ولم يحصل لأحد من بعده وهو تسخير الشياطين له، ويبنون ما يريد ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدرر والحلي ومن عصاه منهم قرنه في الأصفاد.
(تَسَوَّرُوا المِحرَابَ):
قال تعالى: ((وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ {21} إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ)) {ص/22} الخصم: مصدر كالخصومة، أريد به القوم الذي استقر فيهم الخصومة، والتسور الارتقاء إلى أعلى السور وهو الحائط الرفيع كالتسنم بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير، والتذري بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجيل، وقد فسر المحراب بالغرفة والعلية، والاستفهام للتعجيب والتشويق إلى استماع الخبر.
والمعنى: هل أتاك يا محمد خبر القوم المتخاصمين، إذ علوا سور المحراب محراب داود (عليه السلام). قوله تعالى: "إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنهُم" إلى آخر الآية، لفظة (إذ): ظرف لقوله: "تسوروا" كما أن (إذ) الأولى ظرف لقوله: "نبأ الخصم" ومحصل المعنى أنهم دخلوا على داود وهو في محرابه لا من الطريق العادي، بل بتسوره بالارتقاء إلى سوره، والورود عليه منه، ولذا فزع منهم لما رآهم دخلوا عليه من غير الطريق العادي وبغير إذن.
(الخُلَطَاء):
قال تعالى: ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)) {ص/24} وهو من تمام كلام داود (عليه السلام) يقرر به كلامه الأول، والخلطاء: الشركاء المخالطون.
قوله تعالى: "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ" أي علم داود أنما فتناه بهذه الواقعة أي أنها إنما كانت فتنة فتناه بها والفتنة الامتحان، وقيل: ظن بمعناه المعروف الذي هو خلاف اليقين وذكر استغفاره وتوبته مطلقين يؤيد ما قدمناه ولو كان الظن بمعناه المعروف، كان الاستغفار والتوبة على تقدير كونها فتنة واقعاً، وإطلاق اللفظ يدفعه.
"وَخَرَّ رَاكِعًا" والخر: على ما ذكره الراغب سقوط يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك، مما يسقط من علو، والركوع - على ما ذكره - مطلق الانحناء.
والإنابة إلى الله - على ما ذكره الراغب - الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل وهي من النوب بمعنى رجوع الشيء مرة بعد أخرى.
والمعنى: وعلم داود أن هذه الواقعة إنما كانت امتحاناً امتحناه وأنه أخطأ فاستغفر ربه - مما وقع منه - وخر منحنيا وتاب إليه.