البحث في المستوى الدلالي في رواية "دوائر الوهم" يجعلنا قريبين عن مساعي البحث عن الانزياحات وخاصة تلك التي تخص المنتج التشبيهي؛ لأن لها صلة في انتاج الصورة الفنية.
يرى معظم النقاد أن التشبيه يعمل لخلق التصور، ولا أريد أن أفرّق بين التشبيه والتمثيل كلاهما عندي يعملان ضمن آليات الانزياح والرواية غنية بمثل هذه الانزياحات، فهو يستخدم "تحصد النجاح في نتيجة الامتحان"ص7، أو "يعامل فرحة النجاح بعزف موسيقي" أو "للفرح طعم" ص8.
قوة التشبيه عند فلاح العيساوي تمتلك توليد الدلالات المتباينة التي تعطينا معاني متعددة: «نظرت الى السماء كأنها طائر يريد التحليق»ص8. يعمل التشبيه على خصوصية اتحاد شيئين «ظل يتبعها كأنه خيالها الودود»ص12.
والتشبيه قادر على البناء الفني للصورة المعبرة في السرد الروائي، رغم أن النقاد تعدّه من تشكيلات الصورة الجزئية البسيطة، لكنها تمتلك القدرة التحليلية لتنقلها الى الشعوري والى التصور:
«تبحث عن ضالتها مثل طائر عطشان يبحث عن ماء يروي ظمأه»ص21. كان السعي للانسجام مع مفاهيم شعورية تصل عمق الإحساس «وكأنها مسافرة الى عالم آخر»ص21.
ويصف لنا الصمت بأنه يشبه الذهب، واغلب تلك التشبيهات التي يستخدمها فلاح هي بدون أدوات التشبيه، أي انها من التشبيه البليغ الذي يشمل الاستعارة، ويتعامل معها على المعنى الانزياحي، فهو يتعامل مع المبادئ على انها سجن ذاتي يقيد الحريات او يستخدم مفردة التخييل التي يرسم منها عوالمه «يتخيلها وردة مقبلة عليه»ص28. وتارة يتخيل صورتها فراشة، ويتبعها كأنه خيالها.
ويرى بعض النقاد أن التشبيه هو مفارقة ظاهرية، انا مشكلتي اني لا أتحدث برؤية ناقد له قوانينه التي تحكمه انا اتحدث كمتلقٍّ قارئ، يقرأ التشبيه نمط ادراك وزينة، أداة تصوّر لي المعنى وتعمّق الولوج الى مرتقاه، والاستعارة او التشبيه انزياحات صورة.
فلاح العيساوي استخدم التشبيه الوصفي «عينا ماريا الزرقاوان تتلألآن كأنهما فصّا ماسٍ نادر»ص29، أو نقرأ كلماتها «كانت تنسكب من زجاجة كأنها عطر الياسمين تخطف القلب»ص30.
ونرى زحامًا كبيرًا من الانزياحات الجمالية الرائعة «الحب جوهر الحياة»ص31، «حرارة لوعة الفراق»ص32، وهذه الانزياحات ليست زخرفية او مجرد محسنات بل هي روح الرواية، شكل منها دوال منحتها القدرة على الانسجام والتشابك، والجمالية الراقية والفاعلة في عملية السبك «الحبيب بئر من الاسرار مغطاة بصخرة دائرية كبيرة وزنها ثقيل بإغلاقها حدّ الكتم»ص47.
كل شيء هنا يخضع للمحبة، لفلسفة المحبة ولروح الحلم مقاطع انزياحية متواصلة، قرأت كثيرًا عن ابتكار الوحدات التركيبية المختلفة التي تجلت هنا بصور فعالة ومثمرة بالجمال وترسيخ قيم التعبير «الفرح طفل صغير يضحك ويتلاعب بين يديها»ص50، ومنها تشبيهات بالكاف مثلًا «كانت كالمجنونة عندما سمعت الخبر» أو يسترسل «ينطلق بحرية مع من يرغب ويشاء مثل طائر حر»ص66، جعل الراوي العلاقة متداخلة بين الفن والواقع ولديه محمول فكري كبير، وحتى في موضوع البؤر الاستعارية ومنها ذات مسعى تأثيري وجداني يشتغل كبديل موضوعي «الأشجار، النباتات، أيضًا تحتاج الى الدموع في غياب المطر».
لا يمكن لنا احتواء العملية الاستعارية والتشبيه؛ كونها عميقة وكثيرة توزعت على جسد الرواية، نص روائي يتمتع بحراك استعاري كبير، يدل على انجاز مهم لمبدع مهم.
أعجبني
تعليق
مشاركة