"سيأتي"
كلمةٌ حروفها قليلة، لكنّ "سينها" تبعثُ الروح في رميم عظامنا، وتُحيي الأمل في نفوسنا العطشى،ونقول "سننتظرك" فأفضل أعمال أمتي انتظار الفرج"..
فكيف سيكون هذا الإنتظار؟
- انتشرت في الآونة الأخيرة بين فئات الشباب المسلم عدّة مظاهر سلبية وذلك بسبب التقدم التكنولوجي الهائل الذي أحرزه الغرب والتطور المُغري في إنتاج الوسائل الجاذبة لهذه الفئة من ألعاب إلكترونية ووسائل تواصل تحمل الكثير من الأهداف المسمومة ،المنمّقة بأزهى الألوان،الناعمة التي تتسلل لتنخر بنيان القيم والأخلاق الإنسانية وتهدمها دون أن تشعرفي شتّى مجالات الحياة، ومن هذه المظاهر:
- اهتزاز الملكة التي تضمن للإنسان الثقة بنفسه ودينه وموروثاته.
- هوان عقيدة الفرد عليه مما يجعلها ليست ذات أهمية عنده، يستهزئ ويسخر من تعاليمها،وعلى استعداد لبيعها بثمن بخس.
- الإغترار بالدنيا والهيام بها، وكأنها هي الغاية والمنتهى،والغفلة عن الآخرة وتجاهلها تجاهلاً تاماً.
- هدر الوقت في أشياء لا تستحق والإبتعاد عن العبادات وعما أمرنا الله به .
- الخمول والركود في الأمور الحياتية الضرورية في رفع شأن المجتمعات والإكتفاء بالتلقي السلبي دون الإبداع لرفع لواء الحضارة الإسلامية.
- فكرة الإنتظار السلبي ،حيث يتصوّر الإنسان أنّ المقصود من الانتظار هو المكوث دون حراكٍ وعملٍ للتغيير، كالغريق الذي ينتظر فريق الانقاذ، ويعيش أمل مجيئه قبل الغرق، لكنّه لا يقاوم من أجل النّجاة، وهذا يعني أن يجلس المؤمنون لينتظروا ظهور الإمام من دون أيّ تحرّك فاعل وحقيقي وهو ليس الانتظار المطلوب.
بالإضافة إلى الكثير من الأمور التي من شأنها أن تُضعف حركة الإنسان وتحوّله إلى آلة وحالة تكرارية في المجتمعات تشدّها نحو الأسفل بدل أن ترفعها إلى أماكن ومراتب أسمى وأعلى.
- في ظلّ هذه العوائق التي أشرنا إليها ما هو دورنا لإعادة البوصلة إلى مكانها الصحيح،فما هي شروط الإنتظار الحقيقي؟
-لا يسعى الإنسان إلى انتظار شخص أو شيء إلّا إذا كان يترقّب منه أمراً ما؛ لأنّ ما كان مجهولاً لديه يُعدّ بالنسبة إليه أمراً غريباً، لا يتعلّق به قلبه بسهولةٍ. في المقابل، بقدر ما تكون المعرفة أجلى وأكثر صواباً، بقدر ما يكون انتظار ذلك أعمق وأقوى وحقيقته أعلى .
والناس في عصر غيبة الوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، إمّا أن يكونوا من زمرة المنتظرين، وإمّا أن يكونوا من غير المنتظرين؛ أي من المتحيّرين في وادي الضلالة والجاهليّة.
ولهذا الانتظار جملة من الشروط:
- الاعتقاد بوجود المنجّي الموعود
لا شكّ في أنّ الأرض مستنيرة بنور مصباح الهداية وضياء الإمام المعصوم عليه السلام، وأنّ الخلائق في ضيافة مائدة الرحمة وواسطة الفيض؛ أعني: الإنسان الكامل بلا انقطاع. وقد أشارت جملةٌ من الروايات إلى هذا المعنى الأصيل كما عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ اللّه أجلّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمامٍ عادلٍ"(1). لقد كان الوجود المستمرّ للإمام المعصوم والخليفة الإلهيّ مورد تأكيد في أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام حتّى
جاء عنهم عليهم السلام: "لو بقيت الأرض بغير إمامٍ لساخت"(2)، وعنهم أيضاً: "لم تخلُ الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّةٍ لله فيها: ظاهرٍ مشهورٍ أو غائبٍ مستورٍ. ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّةٍ لله فيها. ولولا ذلك لم يُعبَد الله"(3).
وعلى هذا الأساس، يرتكز الاعتقاد الراسخ لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام على هذا المبنى الحاكم؛ أعني: أنّ الأرض لا تخلو من حجّةٍ، وأنّه في كلّ عصرٍ يوجد إمامٌ معصومٌ يعيش بين عباد الله، ويكون خليفةً لله وحجّةً له على عباده. ولذا، تشكّل ولادة الحجّة الغائب المهديّ الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف ووجوده عقيدةً راسخةً وعميقةً عندهم. كما أنّ وجه الاختلاف بين أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبين غيرهم من المؤمنين بظهور المنجّي الموعود -كما تقدّم سابقاً- في أصل وجود الموعود، وإلّا فإنّ من عداهم يعتقد أيضاً بالمنجّي الموعود.
- تفادي ميتة الجاهليّة
بعد الاعتقاد بوجود الموعود، يلزم معرفته وعرض الإنسان روحه ونفسه عليه وعلى خدمته؛ لغرض تعميق حقيقة الانتظار، وإليه الإشارة فيما أفاده رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم من أنّ حياة وموت مَن لا يعرف إمام زمانه حياةٌ وميتةٌ جاهليّةٌ: "مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهليّةً"(4). والسرّ فيه: أنّ الموت عصارة الحياة، وكلّ فرد يموت وفق ما حيي عليه، ومن مات ميتةً جاهليّة يكون قد عاش كذلك؛ إذ لا يمكن لمن يعيش حياةً عقليّةً أن يموت ميتةً جاهليّةً. وتشير الآيات القرآنيّة إلى جملة من التعاليم التي تؤكّد ضرورة أن يعيش المسلم حياةً عقليّةً، فاطِماً نفسه عن الحياة والموت الجاهليّين.
لقد أوصى الأنبياء عليهم السلام الناس جميعاً بالموت على الإسلام، كما ورد في القرآن الكريم على لسان إبراهيم الخليل ويعقوب عليهما السلام. قال تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 132). كما يوصي اللّه المؤمنين بأن لا يموتوا إلّا مسلمين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (آل عمران، 102). فمن لم يعش في ظلمات الجاهليّة، بل عاش حياةً "طوبى" عقليّة، فقد عرف إمام زمانه معرفة صحيحة، وأدرك أنّه مظهرٌ لقوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ (الرعد: 33)، فيكون زمام تمام الأمور بيده بإذن اللّه. وفي ظلّ هذه المعرفة ينجو من الحياة والموت الجاهليّين، وينال حياةً عقليّةً، كما ينال الموتَ على الإسلام، فيكون في حياته منتظراً حقيقيّاً لإمام زمانه .
- معرفة الإمام وولايته
ليس المراد بمعرفة الخليفة الإلهيّ وإمام كلّ عصر مجرّد المعرفة الأوّليّة القائمة على أساس معرفة حَسَبه ونسبه إلى جانب المعرفة التاريخيّة له، فيكون المرء على معرفة باسم الإمام ونسبه وتاريخه، فيتوهّم أنّه نال المعرفة الباعثة على الحياة والإحياء المنجيّة من الموت الجاهليّ، بل الحياة العقليّة ثمرةٌ لمعرفة الإمام والاعتقاد بالولاية ومعرفة الشخصيّة الحقيقيّة للإمام مع طاعته.
"الأمل رحمةٌ لأمّتي"-
لحقيقة الانتظار، التي هي من أعظم العبادات، انسجام مع الأمل وافتراق عن الرجاء المذموم المحض. وقد صرّح القرآن الكريم بأنّ الأمنيّة من الخرافات: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ (النساء: 123). والأمنيّة هي ذلك الرجاء الذي لا يرافقه عملٌ وسعي دؤوب. وأمّا الرجاء، فهو ثمرة قابلة للنموّ منسجمة مع المقدّمات، من قبيل رجاء أُمّ في نموّ ابنها ورشده، ورجاء غارس شجرةٍ في ازدهار زرعه؛ فإنّ مَن انعقد لها هذا الرجاء لم تقصّر في إرضاع ابنها ومدّه بوسائل النموّ اللازمة، أو تعهّد هذه النبتة الطريّة بما يساعد على اشتداد عودها على النموّ والرسوخ، ومدّها بجميع ما تحتاج إليه من سماد وماء وعناية. عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "الأمل رحمةٌ لأمّتي، ولولا الأمل ما رضّعت والدة ولدها، ولا غرس غارسٌ شجراً"(5).
-قيمة المُنتظر
ترتبط قيمة الانتظار بقيمة المنتظر، وحرمة الترقّب بمقدار تأثير المترقّب، مع أنّ لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف تأثيراً أعمّ من معارف الوجود والعدم، كما أنّ المسائل الباحثة عمّا ينبغي وما لا ينبغي وما يتوسّط بينهما أعمّ من الإنسان وغيره، ونِصاب قدرته هو تغيير الظلم والجور الذي لوّث العالم بالعدل والقسط، واستحالة جهنّم الحارقة بنار القوى -التي كانت سبباً في امتلاء حياة البشر بغبار الظلم ودخان الطغيان بيد الانتقام الإلهيّ- إلى نار هامدة؛ لتُبنى على أنقاضها جنّة مشفوعة بالمساواة والعدل والأُخوّة والإنصاف. ومعه تكون ساحة انتظار المنتظرين شاملة لدائرة البشريّة جمعاء؛ وذلك أنّ جميع البشر يعيشون على شعاع أمل بزوغ شمس العدل والحريّة، وقد عال صبرهم لمشاهدة هذا الطلوع.
-الانتظار الأسمى
إنّ أسمى نحوٍ من أنحاء الانتظار هو ما كان ممتزجاً بروح المنتظِر، بحيث يسري في كيانه كلّه، إلى أن يغلب عليه نور العقل الذي يرفع عنه كلّ أشكال ظلمات الغفلة أو الذهول عن الظهور، ويسلّم قلبه إلى من يحوّل هذا القلب بإذن الله على سنّة قوله تعالى: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ (الأنبياء: 73). إنّ هذا المنتظر الواعي يشعر بحلاوة السعي في طريق الانتظار، فلا يؤثّر في قلبه أيّ حادث يحصل له في هذا الطريق العذب في الدنيا قبل الآخرة: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ . (يونس: 62)
ولعلّ أفضل طريق لنيل هذا المقام العظيم هو أن يكون الإنسان مترقّباً لأمر غيبيّ لعلّه يصيب نسيماً عليلاً يكشف عن ستار عالم الشهادة، فينال شهود ما وراء الستار .
لقد كشف أولياء الله عن ستار الغيب، ثمّ أشاروا إلى ما يوجد من علم مغيّب عنّا، وهو ما كان عليه أئمّتنا عليهم السلام، إلّا أنّه لا يمكن لنا -نحن العاجزين- أن ننال هذا الكشف والشهود بأنفسنا. نعم، غاية ما يمكننا فعله هو أن تكون لنا عيون مفتوحة، وأن نبتعد عن نوم الغفلة، وأن نقبع قبالة الستار؛ لعلّنا نصيب نسيماً يرفع من أمامنا هذا الستار، لنشهد ما يقع خلف الستار: "إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات، ألا فتعرّضوا لها ."(6)
- شهود الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ومشهده
إنّ شهود جمال طلعة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف البهيّة أمل المشتاقين ورجاء المنتظرين جميعاً. فمن أجهد نفسه وتحمّل ألوان المشاقّ والرياضات ليلاً ونهاراً في سبيل الوصول إلى نيل هذه السعادة القصوى، قال بلسان الحال والمقال: "اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة"(7). إلّا أنّ من المشتاقين من كان من ذوي المعرفة، فيتوجّه وجهه لشهود الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيكون مشهوداً لوجوده المبارك حتّى ينال مقام: "ترانا ونراك"(.
ويرى الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف جميع أعمالنا بإذن الله، بما في ذلك أعمال الجوارح والجوانح؛ لمكان أنّه قلب القلوب وروح الأرواح. إلّا أنّ هذا الوجود المبارك وإن اطّلع على كلّ شيء، إلّا أنّه لا ينظر إلى المغضوب عليهم؛ ولذا فهو يمثّل مظهراً لتجلّي قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ﴾ (آل عمران: 77).
فمن رأى نفسه في محضر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ومشهده، سعى جاهداً إلى أن يكون لائقاً بنيل نظرةِ تشريفٍ منه عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا المقام هو الذي يضمن النجاة من الوقوع في الزلّات والعثرات. وينال مَن حصل على هذه النظرة نحواً من التوفيق والتسديد، وإلّا فإنّ مجرّد رؤيةِ جمالٍ لا تضمن نيل السعادة. كما أنّ عدداً كثيراً من الصحابة عاصر نبيّ الإسلام الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، أو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، أو أحداً من الأئمّة الكرام عليهم السلام واستمعوا إلى كلامهم، إلّا أنّهم لم ينالوا شيئاً من ذلك الفيض.
- دليل الانتظار الحقيقيّ
لا شكّ في أنّ الانتظار الحقيقيّ يمهّد الطريق إلى ظهور صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما أنّ هذا الانتظار جديرٌ بالإنسان أن يسعى إلى طلبه وتحقيقه. وفي إطار التمهيد لبزوغ شمس الظهور، يكون للمحافظة على مصباح الوحي مضيئاً مع الدفاع عن حريمه النصيب الأكبر. ولا يتحقّق هذا الهدف المنشود إلّا بالسعي إلى إنارة الأرواح بمصباح العقل. وعليه، يجب أن يتسلّح غير واحد بسلاح العقل للدفاع عن ثقافة الوحي وردّ حملات المغرضين على هذا الحريم، من خلال إنارة عقول الشباب وقلوبهم، وإقامة البراهين العقليّة القطعيّة، وقطع الطريق على من يسعى إلى نشر الأوهام من قبيل القول بالقراءات المتعدّدة للدين وإلقاء الشبهات والمغالطات .
إنّ العقل أقوى وسيلةٍ، بل هو حجّة الله على العباد، كما تشير إلى ذلك الرواية الواردة عن ابن السكّيت حين سأل الإمام الرضا عليه السلام عمّا لو ادّعى غير واحدٍ لنفسه الإمامة والخلافة والولاية، فمن يكون حجّة الله على الناس؟ فأجابه الإمام الرضا عليه السلام أنّه العقل. وعندها قال ابن السكّيت في محضر الإمام عليه السلام: هذا والله هو الجواب(9).
والغرض، أنّه يلزم على المنتظرين الحقيقيّين لبقيّة الله عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يكونوا من أُولي الألباب وأُولي البصائر والأبصار حتّى يكونوا ﴿أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ﴾ (هود: 116). والمراد من أُولي بقيّة أصحاب البقاء، وهم الذين ثبّتت الذات الإلهيّة المقدّسة بقاءهم؛ أعني العلماء العاملين.
- أرجحيّة انتظار أهل العلم والمعرفة
مَن عرف حقيقة الانتظار كان منتظراً حقيقيّاً، فتعلّق قلبه بصبح اللقاء بإمام زمانه، وأجهد نفسه في طريق الإعداد إلى ظهوره. إلّا أنّ هناك امتيازاً لانتظار رجال العلم والثقافة على مسار أطياف المنتظرين، فهم في حال انتظارٍ دائمٍ واعٍ لإمامهم، فإن ظهر كانوا تحت إرادته التامّة؛ لغرض المساهمة في تحقيق الأهداف الإلهيّة المنشودة حتّى يُقام على أيديهم بناء صرح التحوّل المهدويّ العظيم.
كما أنّ هؤلاء يقتدون بإمامهم في العلم والعمل، فتتعالى في كلّ لحظة أفكارهم العمليّة ودوافعهم العمليّة بمسارٍ تصاعديّ، وصولاً إلى استعدادهم التامّ لعصر الظهور؛ ولذا ينحون برغبة تسوقهم جميعاً منحى القسط والعدل، وتصفو أرواحهم، فتستغني عمّا سواه، وتتكامل علومهم وعقولهم .
وهؤلاء العلماء المنتظرون تلامذة الوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهم الذين تعلّموا في مدرسته ونالوا من فيضه وعناياته ما لم ينله غيرهم .
*ما هي فضائل المنتظرين؟
- إنّ المنتظرين لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف حقّاً، هم العارفون بولاية الأولياء الإلهيّين ممّن نالوا فيض ﴿إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ (التوبة: 52).
وقد بيَّن الإمام الباقر عليه السلام فضائل المؤمنين المنتظرين في حديثٍ له قائلاً: "العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمَن جاهد -والله- مع قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بسيفه"، ثمّ قال: "بل والله كمَن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسيفه"، ثمّ قال: "بل والله كمَن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فسطاطه. وفيكم آية من كتاب الله". قلت [الحارث بن المغيرة]: أيّ آية، جُعلت فداك؟ قال: "قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ (الحديد: 19)، ثمّ قال: "صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم"(1).
لقد عبّر القرآن الكريم عن هؤلاء الأفراد أنّهم من مصاديق المؤمنين بالغيب، كما ذكرهم نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم بكلّ خيرٍ: "يغيب عنهم الحجّة، لا يسمّى حتّى يُظهره الله، فإذا عجّل الله خروجه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً"، ثمّ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجّتهم، أولئك وصفهم الله في كتابه فقال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة: 3)، وقال: ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22)"
فإذاً،مَن هم المنتظرون الحقيقيّون؟
- لا ريب في أنّ ظهور إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف وإيجاد حكومة العدل المهدويّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، سيرافقهما حروبٌ ومنازعاتٌ عديدة؛ نظراً إلى أنّ حكّام الجَور والظلم لن يسلّموا بسهولة لراية سلطان العدل والحقّ على يد صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل سيواجهونه ويحاربونه، وعندها تبدأ ثورة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف بالمجاهدة والإيثار والبذل والعطاء .
وليس المنتظرون الحقيقيّون في عصر الغيبة إلّا أهل معرفة وفكر وذكر ودعاء، فيصدق عليهم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (آل عمران: 191)؛ فالذين جمعوا إلى جانب الزهد والتقوى نصيباً من الجهاد وطلب الشهادة في النواحي العلميّة والعمليّة، وهيّأوا في أنفسهم كلّ ما يساهم في حفظ إمامهم (ولو بإعداد سهمٍ) دفاعاً عن حريم الدين والقرآن والعترة، ولا يخشون إلّا الله، فكانوا دوماً قابضين على الزناد، وكانوا من أهل الذكر والمناجاة، فهم -بحقّ- المنتظرون الحقيقيّون لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، والمشتاقون بصدقٍ إلى قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم .
من كلّ ما تقدّم من فضائل وإيجابيات تتّضح لنا بعض الوظائف التي يجب أن نقوم بها إن كنا مربّين (آباء أو معلّمين) حيال هذه الهجمات التي تريد النيل من عقيدتنا المهدويّة وعقيدة أبنائنا وانتظارنا ل"موعودنا":
- نجعل أولادنا يعشقون دولة الإمم المهدي عج من خلال إعطاء الصورة الحقيقية المليئة بالعدل بالحب بالرحمة التي ستسود حكمه وولايته.
- وضع أهداف وخصائص التربية أولاً،وتحقيق القدوة في نفسنا لهذه الأهداف.
- ربط التوجيهات دائما بالعقيدة والدين والقيم الإلهية العظيمة.
- دحض الروايات الدّموية التي تُحاك عن الإمام المهدي عج بأنه سيقتل،سيدمّر،..بل نؤمن أنه على نهج جدّه علي ابن أبي طالب ع الذي هو مبعث الإطمئنان ،الرؤوف بالعدوّ قبل الصّديق والذي يدعو الناس بالكلمة والموعظة الحسنة.
- الدعوة إلى التمسّك بالولاية وطاعة ولي الأمر في زمن الغيبة.
- التنبُّه من الإنجرار نحو المنزلقات الغربية التي تريد بنا أن نكون أصناماً لمُثُل وقيم واهية.
- الإلتزام بأداء الواجبات العبادية والطاعات وممارسة القيم الحميدة.
- اتباع أسس التربية المهدوية المرتكزة على القيم وحُسن التعامل بين أفرادها والتغاضي عما يُمكن التغافل عنه مما لا يؤدي إلى التأثير على الأخلاق.
- زرع ثقافة"على حُب المهدي" في أي عمل جميل نقوم به(مع أولادنا،أصدقائنا،إخواننا..).
- العمل ببصيرة في كل أمرمن الأمور الحياتية.
- حضور الإمام دائما في الوجدان كروح نابضة،متحركة،ناطقة،وليست طارئة،بحيث لا يحتاج الأبوان أو المربي أن ينبّهوا الأبناء ليذكروا الإمام ،بل يذكرونه في كل حين،ومن خلاله تخف آلامهم وشكايتهم..
- يتعلموا أنّ الإمام عين الله الناظرة الذي يطّلع دوماً على أعمالنا ويراقبها.
- أن يكون تحصيل العلم والدراسة والتعليم والنجاح والتفوق أمر ضروري وأنه مسؤولية كبيرة مُلقاة على عاتقنا لنكون فاعلين في مجتمعنا ونشغل مساحة إجتماعية مهمة.
- التوعية المستمرة لمخططات العدو من خلال صنع البرامج الإلكترونية والألعاب المُغرية لإبعاد الشباب خاصة عن اداء واجباتهم الدينية والعقائدية والأخروية..وأنها ليست بريئة بل مقصودة وهادفة.
سيدي يا صاحب الزمان..
أنت وإن كنت غائباً عنّي ،إلا أنني أنظر إليك
أنت أملي،بل أنت غايةُ رغبتي..
فلن أفقد الأمل بك حتّى أعلق بذيلك..(10)
والحمد لله رب العالمين
المصادر:
1- الكافي، الكليني، ج1، ص178، باب لأن ّالأرض لا تخلو من حجّة.
2-(م.ن)، ج1، ص179.
3-كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص207، باب 21: العلّة التي من أجلها يُحتاج إلى الإمام عليه السلام
4-الكافي، (م.س)، ج2، ص21.
5-بحار الأنوار، المجلسيّ، ج74، ص173.
6.بحار الأنوار، المجلسي، ج68، ص221.
7البلد الأمين، الكفعميّ، ص83- الصلاة يوم الجمعة.
8.إقبال الأعمال، ابن طاووس، ص607- دعاء آخر بعد صلاة العيد.
9.الكافي، الكليني، ج1، ص25
10.ديوان سعدي، رقم 406.
المعلّمة:الكاتبة نعمت ابوزيد