أولى مقاربات التشابه بين النبي يوسف (عليه السلام) والإمام المهدي (عج) شخّصها لنا الامام الصادق (عليه السلام) فقال: إن في صاحب هذا الأمر شبهًا من يوسف (عليه السلام).
الملحوظ لكل متتبع لسمات الحجج الالهيين، ورسالاتهم ومنهجهم السلوكي مع الخلق لهو من أوضح الأدلة على أنهم قد بُعثوا من منور النور سبحانه وتعالى، إذ قال تعالى: «وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»(1)، ومن هذا المنطلق سنحاول طرح مجموعة من المقاربات بين النبي يوسف، ويوسف زماننا(عليهما السلام) وهي:
اولاً- الاجتباء الإلهي
قال تعالى: «قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا...○ وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ...}(2)، فكما إنّ هذه الرؤيا التي رآها النبي يوسف(عليه السلام) في صغره كانت أولى بِشارات الاجتباء.
أيضًا إمامنا المهدي(عج) قد تمّ التبشير باجتبائه من أول يوم ولد فيه، فقد روي عن حكيمة بنت الامام الجواد(عليه السلام) قالت: [بَعث إليَّ أبو محمد الحسن بن علي(عليه السلام) فقال: يا عمة اجعلي افطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإنّ اللّه تبارك وتعالى سيُظهر في هذه الليلة الحجة، وهو حجته في أرضه،...](3).
ثانياً: سُنة الغيبة
قال أبو جعفر(عليه السلام): [في صاحب هذا الأمر سنن من أربعة أنبياء،... إلى أن قال: وأما من يوسف فالسجن والغيبة](4).
كما أن الله تعالى أعطى البشر حرية القرار في سلوكياتهم، كذلك فإن هذه الحرية لم تكون مُطلقة، وإنما هي تحت هيمنته سبحانه، فلما اختار أخوة يوسف أن يمكروا به، وعزموا على قتله، الله تعالى أجرى على لسان أحد اخوته مقولة جعلته يَسلَمُ منها ليُتم دوره الإلهي، كما في قوله تعالى: «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ»(5)، إذ غُيّب عنهم لجحودهم بنعمة وجوده بينهم.
وهكذا مع يوسف زماننا(عج) فما لاقته سلالة النبوة والإمامة من أذى وقتل على يد هذه الأمم، ولكونه خاتم حجج الله في أرضه جرت فيه سنة التغيب أيضًا.
ثالثاً: إمكانية الرؤية في زمن الغيبة
قال تعالى: «وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ»(6)، فكما أن فعل إخوة يوسف الخاطئ لم يمنعهم من أن يتشرفوا برؤيته ولقائه، وإن كانت رؤية بلا معرفة، لكن بالنتيجة كانت هناك رؤية وقد عرفهم، وأحسن اليهم.
وهكذا نحن مع إمامنا(عج) رغم كوننا بشكل من الأشكال سببًا في غيبته، إلا أن هذا لا يوجب اليأس في النفس من إمكانية التشرف برؤيته في زمن الغيبة وإن لم نعرفه، فعن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: [يفقد الناس إمامهم فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه](7).
ثم وكأن المشهد ذاته، فلما أذن الله تعالى للنبي يوسف(عليه السلام) بإظهار شخصه لهم عرفوه: «قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ»، وفي زمن ظهور إمامنا (عج) فإن ذات الأمر يَحصل كما ورد عن أبي عبد الله(عليه السلام) بقوله: [إذا قام القائم(عليه السلام)، لمْ يَقمْ بين يَديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه، صالح هو أم طالح، لأن فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقيم](.
رابعاً: العلم
قال تعالى: «وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا»(9)، إذ صرحت الآية أن نبي الله يوسف(عليه السلام) كان له علماً إلهياً، وإمامنا(عج) له العلم الكامل والتام، فعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: [إن العلم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه(ص) ينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع عن أحسن نباته](10).
خامساً: مقام العدالة
إنّ من أهم شرط التمكين هي وجود مقام العصمة، ليَحكم المُستَخلف بالقسط والعدل وهذا ما تحقق في نبي الله يوسف(عليه السلام)، قال تعالى: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»(11)، بالمقابل، إن لإمامنا(عج) أعلى مراتب العصمة، إذ اختاره تعالى ليكون إمام العدل على العالم بأكمله، كما قال رسول الله(ص): [لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملاها عدلاً كما ملئت جوراً](12).
سادساً: مقام الصدق
قال تعالى: «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ»(13)، وهذا المقام كان لإمامنا الحجة(عج)، فعن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: [سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ قال: الصادقون هم الأئمّة](14)، وإمامنا هو خاتم مصاديق هذه الآية من الأئمة.
سابعاً: سجية الحُلم
قال تعالى: «قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ»(15)، وقوله: «قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»(16)، وهذا من أوجه الشبه في سيرة الإمام الحجة(عج) الحُلم مع مواليه الذين لمْ يَصلوا للطاعة المطلوبة منهم، بقوله(عج): [ولولا ما عندنا من محبة صلاحكم ورحمتكم، والإشفاق عليكم، لكنا عن مُخاطبتكم في شُغلٍ](17).
_______
(1) النساء:٨٢.
(2) يوسف:٥-٦.
(3) كمال الدين وتمام النعمة: ج١، ص٤٥٢.
(4) بحار الأنوار: ج٥، ص٢١٧.
(5) يوسف:١٠.
(6) يوسف:٥٨.
(7) الغيبة: ج١، ص١٨٥.
( بحار الأنوار: ج٥٣، ص٣٢٥.
(9) يوسف: ٢٢.
(10) بحار الانوار: ج٥١، ص٣٦.
(11) يوسف:٥٥.
(12) بحار الأنوار: ج٥١، ص١٠٢.
(13) يوسف:46.
(14) مرآة العقول: ص٤٣٣.
(15) يوسف:٧٧.
(16) يوسف:٩٢.
(17) بحار الأنوار: ج٥، ص١٧٩.