تحتكم الخطبة على مجموعة علاقات تكون القيم الجمالية، ومنطق داخلي يبين سياقات النص، وتماسك النص، فهي مجموعة إجراءات تدعم الخطبة وخطبة سماحة السيد احمد الصافي على منبر الصحن الحسيني في (28 نيسان 2006م) تؤكد على احتياجنا الشديد الى التفاعل مع الدعاء واستنطاق الكلمات التي ذكرها الامام السجاد (عليه السلام)، وأن نتقصى وجوه التمييز لاختيار كلمات معينة دون سواها، وهذا يدلنا على بحث سماحة السيد عن الوظائف الدلالية وسياقات كل مفردة تتواءم مع ثراء اللطف الإلهي ومطالب دلالية القصدي أي الحاجة فنجده يتأمل في مميزات الصلاة على محمد وآل محمد، بما تمتلك من تأثير في حياتنا اليومية، وآثار عجيبة تترك في نفوسنا قراءة شعورية لمعنى المنطق التعريفي لمهام الجملة وتأثيرها الشعوري والابلاغي الاخباري المؤثر، فالخطاب يؤكد على أن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يتوسلون بمحمد وآل محمد من أجل تسهيل الأمور وتتجاوز عملية الإبلاغ الى عملية التأثير، فهو يؤدي ابلاغ الرسالة الدلالية مع تسليط التأثير الضاغط على فكر ووجدان المتلقي.
قضية الدعاء مرتبطة بتشخيص النبي (ص) وأهل البيت (عليهم السلام) ذكرهم والصلاة عليهم تساعد على فتح أبواب كثيرة من الرحمة والائمة (عليهم السلام) نبّهوا على تكوينها، فهي رحمة الله سبحانه وتعالى وفضلها معطاء الى شيعة اهل البيت (عليهم السلام) فجاءت البينة التي تستقطب الفهم المعرفي وبينوا أن الصلاة على محمد وآل محمد لها شأن خاص كلمة لها حالة تبني المعنى الفكري الدلالي بتشخيصات تعبر عن قيم وجدانية.
قضية ذكر النبي (ص) عند الامام السجاد (عليه السلام) لا تتعلق بالنسب وانما بذكر النبي (ص)؛ لأنه مفتاح الدعاء يعمل عن تأثير دائم الحضور. يجسد النص تشخيصات يستمد منها ما يقوله الامام الصادق (عليه السلام): «لا يزال الدعاء محجوبًا حتى يصلي على محمد وآل محمد».
وهذا ما نقصده هو لوحده التأثير والاثارة وتشخيص التفاعل الى التجاوز المضمر من الاخبار الى التأثير.
يستشهد النص الخطابي برواية أخرى للإمام الصادق (عليه السلام): «من دعا ولم يذكر النبي (ص) رفرف الدعاء على رأسه، فاذا ذكر النبي رفع الدعاء».
المتلقي هنا معنيٌّ بكل تفاصيل الدعاء والصلاة على محمد وآل محمد؛ لكونه معيارًا يوجه لألفاظ نحو مناطق التأثير النفسي، فهو يستشهد بتشخيص الامام الصادق (عليه السلام): «من كانت له حاجة لله عز وجل فليبتدئ بالصلاة على محمد وآل محمد يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على محمد وآل محمد، فإن الله عز وجل أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط».
اذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد لا تحجب عنه وهذه إشارة الى سعة رحمة الله، فاذا كان الاخبار يبتغي كل من يروي حديثًا تاريخيًّا او قولًا لإمام معصوم، فهذا يعني انه يبحث عن مؤثرات وجدانية يقينية ترسخ المضمون في ذهنية المتلقي.
ويشخص سماحة السيد الصافي أن كثيرًا من ادعيتنا مبثوثة في موارد كثيرة مثل: الصلاة على امير المؤمنين، والصلاة على الزهراء، وعلى الحسن والحسين، الى أن نصل الى صاحب العصر والزمان بهذا الأسلوب أو أسلوب تبليغ رسالة دلالية لقول المعصوم وتسليط التأثير ليمنح النص قوة أدبية فالله سبحانه وتعالى لا يرد أيّ دعاء .
اين تكمن مزايا الوحدة الجمالية في الخطبة الوعظية؟ اكيد تكمن في تقصي الابعاد الدلالية ليمنح النص جاذبية الارتقاء الذهني, والمعنوي, ورؤية الفكر, والتشخيص العاطفي.
يقول الامام السجاد (عليه السلام): «ولا تعرض عني وقد اقبلت اليك» ويتضح لنا من خلال هذه الاحتفاء دقة الاختيار الاسلوبي فتشخص الخطبة معنى الإهانة والاستهانة التي يتعرض لها لو اجمع العبد كل قوة لا تنفعه ابدًا ما دام الله سبحانه وتعالى قد أعرض عنه.
هناك ابعاد معنوية لعمق الجملة عندما يقول الامام (عليه السلام): «ولا تعرض عني وقد اقبلت عليك».
يشخص سماحة السيد أنه ليست من صفات الله الاعراض ابتداء؛ لأنه محض الكرم ومحض الخير والبركة، فالإمام (عليه السلام) يصوّر «ولا تعرض عني» حين يستوجب الانسان اعراض الله تعالى.
القراءة تعني البحث في معنى التجلي النصي, الانسان يتمنى لو يفتقد في المعصية ويحرص على ان يكون موجودًا في أماكن الطاعة، فاذا حرم الانسان من مواطن الطاعة استحق الحرمان والندم، واذا كان الانسان ملتفتا الى مناجاة الله تعالى استحق اللذة الروحية التي يطمح اليها الانسان, وسعي القراءة هي قراءة مرتكزات خطبة الجمعة، وتحليل رصد البنية وكشف الحراك النصي أي رؤية التصور.
الله سبحانه وتعالى هيّأ النبي (ص)، وهيأ الأئمة (عليهم السلام)، وبثوا كل ما عندهم من علوم من أجل ان يصلحوا تربيتنا، ولكن المشكلة أننا عجزنا عن الاقتداء بهم.
يشخص سماحة السيد الصافي مشكلة فكرية ان البعض يدعو عند رأس الحسين بكلمات لا تتناسب وعظمة صاحب المرقد، علينا ان نتعلم ادعية اهل البيت (عليهم السلام)، هل لدينا ادعية نطلبها عند رأس الحسين بهذا المستوى: «لا تعرض عني الهي»؛ لأن الله اذا اعرض عني لا يوفقني الى أي شيء، ولو جئت بمال الدنيا.
رؤية شمولية في قراءة نص الخطبة تجعلنا امام مسؤولية وعي الدعاء ان ندعو الله تعالى الدعاء الذي ينجينا غدًا، والحمد لله على هذا اليقين .