بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله

السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته

يحج الناس أداء لأمر الله تعالى وتكليفه , ولكن يبقى السؤال يدور في اذهان من يرى تلك المناسك الشريفة والمواقف الكريمة: ما هي الحكمة والغاية من أداء هذا التكليف الإلهي؟
الجواب : نقرأه في القرآن الكريم وكلمات أهل بيت العصمة وتوضيح علمائنا العظام في جملة حكم منها:

1- التعبد بالأمر الإلهي

فقد سأل أحدهم الامام جعفر الصادق (ع) عن علة مناسك الحج لا سيما لمس الحجر الأسود والطواف حول الكعبة الشريفة فأجاب (ع): هذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في اتيانه... إذن من اسباب أمر الله بالحج تعبد الناس بأمر الله تعالى الذي يعني طاعة الله من دون معرفة السبب المباشر للفعل بل إنطلاقا من الإعتقاد التام بحكمة الله تعالى وغناه المطلق فهو الغني الحكيم الذي لا يكلف لحاجة عنده إذ لا نقص في ساحة قدسه إنما يكلف لحكمة تنفع المخلوق في كماله يعلمها تعالى وقد لا نعلمها نحن, لذا نذهب الى الحج فنطوف حول الكعبة ونلمس الحجر الاسود ونقف ونرجم الشيطان تعبدا بما أمر وطاعة بما كلف وهو الهادي الى الصراط.


2- التخلص من الذ نوب

فعن الامام علي الرضا(ع) قال: انما أمروا بالحج لعلة الوفادة الى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما إقترف العبد تائبا مما مضى, مستأنفا لما يستقبل.
إن الحج فرصة للتوبة الكاملة الى الله تعالى وهو مسيرة الانسان في طريق التوبة فأول اعماله غسل الإحرام وماؤه يعبر عن الطهارة المعنوية مع ما يضفيه من طهارة الجسد فعن الإمام الصادق (ع) :... ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة من الذنوب .... . والنظر الى الكعبة كما حدثنا النبي (ص):... يهدم الخطايا هدما... . والحطيم هو البقعة الأفضل على وجه الارض وهو موضع توبة الله على أبينا آدم عليه السلام, والركن اليماني هو موضع الدعاء بالتوبة لنقول عنده ... اللهم تب علي حتى أتوب واعصمني حتى لا أعود... .
والسعي بين الصفا والمروة هو خروج الأنسان من ذنوبه كما ورد عن النبي(ص), اما عرفات فهو موقف التوبة الكاملة, فمن الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات.
السلام عليك يا إمامنا زين العابدين حين قلت: وحق الحج ان تعلم انه وفادة الى ربك وفرار اليه من ذنوبك. وبه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي اوجبه عليك.

3- نبذ الأنانية

فعن الإمام الرضا(ع): إنما أمر بالحج لعلة الوفادة الى الله عز وجل... مع ما فيه من ..حظر النفس عن الذات.
ففي الحج اللباس واحد للغني والفقير , الرئيس والمرؤوس, العالم والجاهل, والرؤوس خالية من التيجان والأكاليل وغيرها, ولا زينة تميز البعض عن الآخر, ففي المظهر الناس سواء , واراد الله تعالى ان يكون الداخل الإنساني كذلك فلا يرى الانسان ذاته تتميز عن الآخرين بالمناصب والمظاهر وغير ذلك, وفي هذه قصة مفيدة حصلت مع طبيب مشهور أفاض الله عليه بنعمة العلم والمال لكنه متكبرا على الآخرين يجد في ذاته ما لا يجده في غيره, ولم يردع تكبره رؤيته للمشاهد المشرفة حينما قدم حاجا, إذ بقي يتكبر على من أحاط به من الحجاج المؤمنين, وفي المزدلفه ضيع رفاقه, وبقي يومين ضائعا شريد, ينظر الى نفسه تارة والى الآخرين أخرى , لا أحد منهم يعرفه فالمشهد واحد الكل من الناس بثياب واحدة متواضعة هو وغيره, بعد اليومين وجد رفاقه ليقولوا له : الحمد لله لقد وجدناك , فأجابهم : كلا الحمد لله وجدت نفسي وعرفتها بعد جهل بها.
وبعدها أصبح الإنسان المتواضع لأن الحج علمه كيف يحظر النفس عن الذات.

4- ليشهدوا منافع لهم
ومنافع الحج كثيرة نذكر منها:
أ- التفقه في الدين:
ففي الرواية عن الامام الرضا (ع) حول فلسفة تشريع الحج ... مع ما فيه من التفقه... .
فينبغي للحاج ان يتعامل مع هذا الموسم المبارك كمدرسة يتعلم فيها تعاليم دينه وتفاصيل شريعته, فالحج من دون تفقه لا يحقق الهدف الإلهي لقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا خير في عبادة ليس فيها تفقه.

ب – انتشار الهدى:
ففي الرواية عن الإمام الرضا(ع) حول فلسفة تشريع الحج : مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة (ع) الى كل صقع ... فينتشر بذلك الهدى بين الناس .
ونشر فضائل أهل البيت (ع) في الحج من الأعمال التي خطط لها ونفذها أهل العصمة(ع) فعن الإمام جعفر الصادق (ع) : قال لي أبي: يا جعفر اوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى.

ج – وحدة المسلمين وقوتهم

ففي مؤتمر الحج الكبير يعيش المسلمون حالة الوحدة ويشعرون بقوتهم لتكون الوحدة والقوة منطلقا لانهاء تسلط الأعداء عليهم.
يقول الإمام الخميني قدس سره ... ان هذا البيت المعظم وضع للناس, ومن أجل قيام الناس ونهضتهم الشاملة, وكذلك ليشهدوا منافع لهم, وأي منفعة أعظم وأسمى من قطع ايدي جبابرة العالم وطغاته وإنهاء تسلطهم على البلدان العظيمة.
ويقول الإمام ايضا ... الحج سياسة اسلامية لقد كنا نؤمن منذ البداية بضرورة اداء الحج بالصورة التي كان يؤديها رسول الله (ص) فكما حطم الأوثان في الكعبة,ونحن ايضا لا بد من تحطيم الأصنام,وان هذه الأصنام موجودة في عصرنا , بل هي اعظم وأسوا مما كانت عليه آنذاك.