هواجس عاشق
الكاتب محمد ياسين مصطفى كوسه
وكيف لي أن التحق بصفوف المجاهدين وأبي يرقد في فراشه لاحول له ولاقوة ؟!
ياإلهي أكاد أفقد عقلي .. الرفاق هبوا للدفاع عن الارض والعرض وانا امكث هنا !
انا خجِل من أبي لو استطاع الكلام لأدبني على فعلتي هذه ، كيف اتوانى عن الالتحاق بركب المجاهدين ؟!
نعم ، اعرفه جيداً ومعسكرات القتال تعرفه أيضاً ،
بزّته العسكرية وسلاحه المعلق على الحائط في غرفة الاستقبال دليل على ذلك، وشاهد عيان على بطولاته وانتصاراته ، أما تلك الصورة التي وضعنا لها إطاراً ثميناً فهي تحكي للناظر عن ذاك البطل المغوار ، عن الوقفة الشامخة التي وقفها وهو يؤدي التحية العسكرية لسيده ومولاه الحسين صلوات الله وسلامه عليه في الروضة الحسينية المقدسة ، متعهداً أنه سيناصره ، ويلبي النداء وإن فصله عنه الزمن وحالت الأعوام والدهور بينه وبين نصرته في كربلاء ، معتذراً منه أنه لم يكن في الطف ، ويعده بأنه سيكون طفّا ، ذلك قبل ان ينطلق إلى المهمة التي أوكلت إليه ، والتي عاد منها مبتور الساقين ، بالكاد يرى أثر النور دون أن يتعرف إلى الوجوه .
منذ ذاك اليوم وأنا أقوم بخدمته ورعايته ( قال في نفسه ) كيف سيغفر لي تلك الزلة ؟،وكيف أقابل الناس وانا ابن القائد البطل الذي كان يصول ويجول مدافعاً بكل ماأوتي من قوة وإيمان وعقيدة ، وكيف لي أن أقف تلك الوقفة في محضر مولاي الحسين صلوات الله وسلامه عليه؟!
أوَأجرؤ على ان ارفع راسي في حضرته ، ألسنا في كربلاء اليوم ، ونعيش ذاك الصراع المتمثل بمعسكري الحق والباطل ، من يناصر الآن فقد انضم إلى ركب المخلصين ، يإلهي !
لقد غرس ابي فينا كربلاء، فنشأنا نستقي من معين تلك النهضة الحسينية عاماً بعد عام ، حتى سرت في عروقي دماء الشهادة ، التي بذلها الأصحاب الخُلّص في سبيل نصرة سيدهم ومولاهم ونصرة العقيدة والإيمان الحقّ ..
آه . كم أنا متعب ، افكار وأفكار تدور في رأسي ، يكاد رأسي ينفجر .
انا لست جباناً ، أحمل من القوة والثبات مايمرغ انوف الطغاة في التراب ، اوَ أجلس هكذا حبيس الدار ، ولكن من يرعى أبي ومن يقوم على خدمته ؟؟
إنه الفجر .. التراتيل السماوية تملأ الكون بالسكون ، مع انفاس الصباح تكاد كل مفردات الكون تؤدي سجدة الخشوع لله الأحد، ألم يأنِ لهذا القلب أن يسجد في محراب الشهادة .
انطلق إلى أبيه ، القى عليه تحية الصباح والابتسامة تعلو وجهه ، لربما سمعه أو استطاع أن يلمح شيئاَ من قسماته ، قام بتوضئته وتركه يؤدي صلاته بما أوتي من قدرة ، كما دأبه كل يوم .
صوت الماء وهو يتوضأ ادخل السكينة إلى قلبه ، افترش سجاده في موعد للعاشقين ، ادى صلاته على اكمل وجه ثم توجه للدعاء ، كان يتمتم بكلمات غير واضحة إلا أن الدموع كانت تغطي وجنتاه .
ومالبث أن غفى على سجادته ..
"كان المسجد واسعاً , يفوح منه الطيب منتشراً في كل مكان ، دخل إلى المسجد ، صوت الماء مع قدسية المكان ورجع صدى الأذان يجلجل القلوب فترتعش خاشعة ،
وشيخ كبير يجلس جانياً يتمتم بهدوء ، اقترب إليه جلس صامتاً لبضع دقائق ريثما انتهى الشيخ من مناجاته ملتفتاً إليه :
- أود ان أسألك سؤالاً مولانا
- أومأ له بالإيجاب
- أليس من حقي أن اقوم بواجبي وأكون من المجاهدين.؟
نهض الشيخ متوجهاً نحو الباب دون أن ينظر إليه وهو يردد " وأما حق أبيك ، وأما حق أبيك " إلى ان غاب عن الأنظار "
صحا من نومه وهو يرتعش ويردد العبارة ، اسرع إلى رسالة الحقوق نعم هذا ماأريده .
"وأما حق أبيك : فان تعلم أنه أصلك ، وأنك فرعه ، وأنك لولاه لم تكن. فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه ، واحمد اللّه واشكره على قدر ذلك ولاقوة إلا بالله "
ياإلهي كيف لم اعِ ذاك المعنى قبل هذا ، ان أؤدي حق ابي فذلك يعني أني في حالة عبادة ..
يكفيني جهاداً أن أبرّ ابي ، رب اجعلني بارّاً به وتقبل مني .. نهض مستبشراً دخل غرفة والده انحنى على يديه مقبّلاً طالباً رضاه ودعائه .. فمنذ تلك اللحظة بدأت رحلة جهاده .
سوريا دمشق
الكاتب محمد ياسين مصطفى كوسه