لعلَ الشيء الذي يجبُ التركيز عليه، عند تناول موضوع ضرب الطفل هو مسألة الشدة المقابلة للين في تعاملِ الأبوينِ مع الطفل، بحيث تكون على نحو الاعتدال لا على نحو الإفراط أو التفريط، بمعنى أنْ لا تترك الحرية المُطلقة للطفل في أنْ يعملَ ما يشاء حتّى لوكانَ خطأً، وأنْ لا يُعنّف على كلِّ شيءٍ يرتكبهُ، بل يُستخدم معهُ أسلوب اللين والإقناع، فإذا لم ينفع حينها يأتي دور التأنيب أو العقاب.
والعقابُ يكون على نوعين: أحدهما: نفسي، والآخر: بدني، والأول: هو إشعارُ الطفلِ بسوءِ فعله، والضغط عليه بالتهديد بالكلامِ والوعيد بعدمِ حصوله على شيء يحبه في حالِ عودته إلى ذلك الخطأ كحرمانه مِن اللعبِ مع صديقه، إذا عادَ إلى العبثِ بالحديقة مثلًا.
والعقوبةُ العاطفية خيرٌ مِن البدنية كما أجاب عن ذلك الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) حينما سُئل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال: "لا تضربه واهجره....ولا تُطِلْ"(1)
أما الثاني: فهو تعريض الجسم إلى ألمٍ نتيجةَ ضربه بشيءٍ ما، وتختلف حدة الألم بحسبِ الضربة المُوجهة إليه.
ويُعدُّ هذا النوع هو الأكثر استخدامًا من الأول عندَ المربين وخصوصًا الأبويِن، ولكننا نجدُ البعض منهم ومع شديد الأسف يضربُ الطفل ضربًا مبرحًا على أبسط وأتفه الأشياء! فإنْ سألتهُ: لماذا تضربهُ مع أنّ الموضوع لا يستحق كلَّ ذلك؟ كان جوابهُ: لا بد مِن تأديبه بهذا الشكل كي لا يكرر ما قام بهِ مِن خطأ مرةً أخرى، ولكي يحترم الأكبر منه ولا يستهين بوجوده.
أما البعض الآخر فيتخذ من ضربِ الطفل وسيلةً لتفريغِ شحنةِ غضبه، كما لو رجع الزوج إلى البيت حادَّ المزاج من متاعبِ العمل، ومثلُ هذا بقاء الأبِ في البيت دون عمل لفترةٍ طويلةٍ من الوقت، هذا من جانبٍ.
ومن جانبٍ آخر ــ وبسبب الغضب والعصبية ــ فقد يُضرب الطفل في بعض الأحيان عندما يتشاجر الزوج مع زوجته وبالعكس؛ وذلك ليثير أحدهما مشاعر الآخر!
ومن الأسباب التي تدعو بعض الآباء إلى ضرب الأطفال بشدة أيضًا هو: أنْ يضرب هذا الطفل طفلًا آخر، كابن الجيران أو ابن أحد الأقارب، حينها يقوم الأب بضرب ولده أمام أعين أهل ذلك الطفل المضروب مجاملةً وتعبيرًا عن استيائه مِن هكذا تصرف. وغالبًا تأتي ردة فعل الأب هذه قبلَ أن يستمع إلى ولده عن ملابسات الموضوع، وما السبب الذي دعاه إلى ضرب الطفل الآخر؟ وهل كانَ الضرب عن عمد أم لا؟
وعلى كلِ حالٍ مِن الأحوالِ، ولأيِّ سببٍ كان لا يسمح العقل ولا الشرع بضرب الطفل ضربًا مبالغًا فيه، بحيث يترك علامةً او عاهةً على جسمه، كالكسرِ والجرح وما شابه، مما تبدو لمن يراها أنّ الطفل ما ضُرِبَ إلا للانتقام وليس للتأديب.
هذا فضلًا عن الآثار السلبية التي يتركها الضرب في نفسية الطفل، كالقلق والعناد والخوف من أي حركة يقوم بها أمام من كان يضربه، كما أنّه قد يؤدي إلى قلة الثقة بالنفسِ وشعور الطفل بأنّهُ ضَعيف الشخصية لا يتمكن مِن الدفاع عن نفسه وذلك بسبب تكرار الضرب.
وقد يكون هذا السبب هو الدافع لتصرف الطفل بشكلٍ عدواني تجاه أفراد العائلة والأقران، على حدٍ سواء، حيث يقوم بتقليد الأب أو الأمّ فيضرب أخاه أو أخته بأيِّ شيءٍ قريبٍ منه. وفي بعض الأحيان ينتهي هذا الفعل إلى نتائج سيئة، إن لم تكن خطيرة.
وحتى لو حصل هذا فلا ينبغي أنْ يُقابل الطفل بمثل ما فعل مهما كان الضرر، ليس لشيءٍ يمنع من ذلك سوى طفولته التي لم تدرك متى تكون العقوبة، ومع من، وهل تصرفهُ هذا كانَ فقط لتقليد الضارب، أمّ كانَ انتقامًا منه بضربِ غيره.
__________
(١)تاريخ اليعقوبي -لليعقوبي :ج٢،ص ٣٢.