إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بناء المسجد النبوي، بناء أُمّة ( عبير المنظور)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بناء المسجد النبوي، بناء أُمّة ( عبير المنظور)



    من المعلوم ان اول عمل قام به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) عند وصوله الى مدينة يثرب التي سميت بالمدينة المنورة هو بناء المسجد، ولكن ما لا يعلمه الكثيرون ان بناء المسجد لم يكن للعبادة والتجمع الديني فقط لان النبي اراد ببنائه بناء اساسات الدولة الاسلامية وعلى كافة الصُعُد.
    ومن تلك الاسس التي اراد بها النبي الاكرم (صلوات الله عليه وعلى اله الطيبين الطاهرين) تفعيلها في المجتمع المدني الجديد -بعد قسوة المرحلة المكية التي القت بظلالها على المسلمين الاوائل من المهاجرين- من بناء المسجد وكان البناء في ١٨ من شهر ربيع الاول من السنة الاولى للهجرة وهو زمن قياسي جدا للبدء في هذا المشروع لان رسول الله هاجر الى يثرب في غرة ربيع الاول من عام ١٣ للبعثة -وليس غرة محرم الحرام كما هو شائع الان والهدف واضح ايضا-
    وهذه الاسس سنجملها في عدة نقاط:
    ١- ان يكون مكانا لعبادة وذكر الله تعالى والدعوة اليه وهو الهدف الاساسي من بناء المسجد اضافة الى التأثير الايجابي للعبادات الجماعية وكيف تعطي الروحية والحافزية في عموم العبادات.
    ٢- ان يكون مقرا لتجمّع الرسول عليه الصلاة والسلام مع اصحابه لمناقشة الامور السياسية والاجتماعية وغيرها التي تهم الاسلام والمسلمين اي بمعنى اصح بمصطلحاتنا المعاصرة قاعة مؤتمرات .
    ٣- بث روح التعاون في بناء المجتمع بشكل عام كمفهوم وبناء المسجد بشكل خاص كمصداق من خلال تفعيل مشاركة جميع المسلمين بكل فئاتهم في البناء فهي مسؤولية الجميع ولحفظ روح المواطنة والانتماء للاسلام.
    ٤- ترسيخ معنى القيادة الحقيقية لافراد المجتمع من خلال مشاركة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المسلمين في بناء المسجد ويتحمل معهم عناء ذلك فهو بأبي وامي كان يحمل اللبن بيديه الشريفتين حاله حال بقية المسلمين.
    ٥- حرص رسول الله على بناء امته ككيان موحد ومتماسك كبناء ذلك المسجد من خلال استثمار فرصة البناء وتجمع وتعاون المسلمين مع بعضهم بروح معنوية عالية والتأكيد على الاساس القوي في استمرار بناء امته من بعده وهو التمسك بالحق والخلافة الالهية من بعده وكأنه بأبي هو وامي يستشرف المستقبل ويحاول منع الفرقة بين المسلمين وتصدع كيانهم من بعده في قصة مستفيضة في المصادر السنية قبل الشيعية منها وهي مروية عن ابي سعيد الخدري: (...كنا نحمل لبنة لبنة ‏ ‏وعمار ‏ ‏لبنتين لبنتين فرآه النبي ‏(صلى الله عليه وسلم) فينفض التراب عنه ويقول ‏ويح ‌‏عمار ‏تقتله الفئة ‏الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال يقول ‏عمار أعوذ بالله من الفتن)(١)
    ٦- تقديم الكفاءات في العمل على غيرهم وتثمين خبرات اهل الاختصاص فعن طلق بن علي اليمامي الحنفي قال: (بنيت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: «قربوا اليمامي من الطين فإنه أحسنكم له مسيساً» وأخرج الإمام أحمد عن طلق أيضاً، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يبنون المسجد وكأنه لم يعجبه عملهم، فأخذت المسحاة، فخلطت الطين، فكأنه أعجبه فقال: «دعوا الحنفي والطين، فإنه أضبطكم للطين» وأخرج ابن حبان عن طلق فقال: فقلت: يا رسول الله أأنقل كما ينقلون؟ قال: «لا، ولكن اخلط لهم الطين، فأنت أعلم به»(٢) وفي رواية اخرى: (قرّبوا اليمامي من الطين فإنه احسنه لكم مسكا واشدكم له ساعدا)(٣)
    ٧- تخصيص مساحة مسقفة من المسجد للفقراء من المهاجرين والانصار ممن لا مأوى لهم في مؤخّرة المسجد في الجانب الشمالي الشرقي منه، غربي ما يعرف اليوم بدكة الأغوات ليقيهم من حرّ الشّمس، وكان يجالسهم بأبي هو وامي ويشاركهم في طعامه وشرابه كما كان اهل المدينة يستضيفونهم في بيوتهم ليُطعموهم. وسميت تلك السقيفة صفّة المسجد وعرف ساكنوها بأهل الصفّة او اهل الظلّة، يقضون أوقاتهم في تعلم القرآن وقيل عددهم ٧٠ رجلا وقيل ٤٠٠ ومنهم خيار الصحابة الاجلاء كأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وبلال بن رباح، اي بتعبير ادق دار رعاية اجتماعية.
    ٨- استثمر النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم المسجد فيما بعد لضمان الرعاية الصحية للمسلمين بأمره بأقامة خيمة للطبيبة رفيدة الاسلمية(٤) في المسجد في اثناء معركة الخندق وعندما أُصيب سعد بن معاذ في تلك الغزوة أمر النبي بنقله إلى خيمة رفيدة، وكان رسول يمر على خيمتها يتفقد سعد وبقية الجرحى، اي بكلمة اخرى اقامة اول مستشفى ميداني في الاسلام كان مقره في المسجد النبوي، واستمرت الرعاية الصحية في خيمة رفيدة في المسجد حتى في اوقات السلم لرعاية المسلمين لمن به ضيعة وليس لديهم اهل وهم تحت رعاية النبي صلى الله عليه واله شخصيا.
    وبلحاظ ما تقدم فان أمْرَ النبي ببناء المسجد كان يهدف من خلاله الى بناء مجتمع متماسك قوي يمثل المسجد فيه روح الاسلام على المستوى النظري والتطبيقي وبالتالي بناء الانسان وفق الضوابط الاسلامية التي لا تفرق بين عربي واعجمي ولا بين ابيض واسود ولا بين غني ولا فقيرولا بين سيد وعبد وتذويب النعرات القبلية من اوس وخزرج ومهاجرين وانصار والانصهار في بوتقة الاسلام والايمان.
    الهوامش:
    (١) صحيح البخاري، ج١، باب التعاون في بناء المسجد،ص١٧٢، رقم الحديث : (٤٣٦).
    (٢)السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، ج١، ص ٤٦٩.
    (٣) معرفة الصحابة، ج٣ ، ص١٦-١٧.
    (٤) رفيدة الاسلمية طبيبة وممرضة في المدينة المنورة وشاركت في العديد من الغزوات تداوي الجرحى، كما شهدت غزوة خيبر وأسهم لها النبي بسهم رجل لمواقفها

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X