إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حبيبُ الله ( محمد مشعل)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حبيبُ الله ( محمد مشعل)


    يتقاطر الليل في ال​دروب، بضع نجمات تلمع في طرف السماء، تغادر الشمس وهي تطوي جدائها خلف التلال البعيدة، خلف البساتين والاشجار.
    يربض وهج الصحراء حين تمر نسائم المساء، وتغفوا الأحداق بين أجفانها، ولما يطوي الليل نصفه يزفر المرجفون أسرارهم لتحملها شياطينهم وتنفثها عبر جنح الظلام تسوقها خطوات خائنة تكشفها الاثار وخشخشة الأشواك عبر البساتين لتطرق سمع المرابطين على الثغور.
    رائحة الغدر تملأ الطرقات، وأصوات تمر عبر المفازات كفحيح أفاعٍ سامة، وصوت ذئاب تعوي، وعجلٌ له خوار آخر الليل، لقد عاد السامري ليفتح جرحا في جسد النبوة من جديد.
    غادر آخر الأنبياء معقله وتوجه صوب المكيدة التي حركتها يدُ الفتنة ونسجتها عقول الغدر اليهودي..
    ثلاثة أيام مسافة بعمر النصر، والنبي وجيشه أمام قلاع خيبر..
    ليلة أخرى، وخوار العجل لا يهدأ يهدر من خلف حجارة صماء هي بعض من هبل، ومناة، وشيء من بقايا العزى.
    تناثر الفجر فوق بساط الليل ولاح لجبينه اشراقة، فصاح غواتهم هذا محمد!
    أخرجت الأفاعي رؤوسها؛ أرعبهم مُحمد وشد على أنفاسهم، فمنذ أن علموا به رسولا وهم يحاولون بشتى الطرق طمس ذكره والخلاص منه، لا يتوق لهم أن يكونوا معه، وارتضوا أن يكونوا خصومه في ميدانٍ لا بد له من خاسرٍ، ومنتصر.
    قابعون خلف حصونهم وكل الظنون خالت لهم عدم وصوله إليهم، لكنه قالها وهو يراقب ذعرهم:
    - الله أكبر خربت خيبر.
    ارتعدت أوصالهم واحمرَت وجوههم غيضا، فتنادوا أن أعدوا له العدة، وأحكموا إغلاق المنافذ دونه.
    بينما في الجوار أهبة للنصر، رمالٌ تقضها حوافر الخيل، ورجالٌ امتحن الله قلوبهم للإيمان.
    المسلمون يتقدمون يجتاحون الأرض يمرون بين الأشجار نحو الحصون، حيث جيش اليهود بعدتهم وعديدهم متأهبون للمعركة، دار القتال بضراوة، ومن أعلى الحصن رشقات السهام تنهش جسد المسلمين، هوى خمسون جريحا، كانت الحصون منيعة كالجبال والسامري ينظر إلى النبي من فوق الحصن بشماته واستعلاء.
    كل شيء ظل في مكانه حتى تبخرت أنفاس يومٍ آخر، شدَّ الليلُ أطراف ثوبه وغطى ميدان المعركة.
    أُوقدت النار، ودار بين الجند حديث بعضه نفثٌ من نفوس شريرة يثبط عزائمهم..
    يتفاعل حديث المواقد ويدور في حلقات أخرى كما يدور وهج ضياء النار في وجوه جالسيها، وهم بين متأسف لما حصل، ومطرقٌ يبحث عن طوق نجاة لغرق وشيك:
    - حصون منيعة واليهود مسلحون بسلاح حسن. أرءيتم الخندق حوله.. أرجو أن لا يكون رسول الله غاضباً مني.
    صمتَ الجميع فبدد صمتهم صوت رجل ثانٍ ردَّ على الأول:
    - ليس الذنب ذنبك يا صاحبي، أنا أيضا لم أستطع أن أفعل شيئاً.
    ماكثون بين لوم وعتاب، ثم هبت ريحٌ بعثرت جمعهم، نثرت جمر النار في حجورهم، وفتت شملهم يمينا وشمالا.. تلتها نسائم أرست السكينة في نفوسهم وهم يتطلعون إلى مكان رسول الله مع هدوء ينساب رويدا رويدا، وهم ينتظرون أوامره، حتى قدم من هناك أحدهم قائلا:
    - أسمعتم ما قال رسول الله؟
    - ماذا قال؟ سألوه.
    - قال: "لا أعطين الراية غداً رجلا يُحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
    - ترى من سيكون صاحب الراية؟ تساءل الجميع وفي خلد بعضهم حلمٌ أن يظفر بهذا الشرف الرفيع.
    نام البعض وظل البعض مساهراً يلاحق النجوم وهي تلمع في كبد السماء.
    تنفس الصبح عن يوم جديد سيظل راسخا في ذاكرة التاريخ كالوشم في ظاهر اليد، أسرع المسلمون نحو النبي وتحلقوا حوله ينتظرون حامل الراية، مَنْ تراه سيحظى بحب الله ورسوله من بينهم؟ وكلٌ يتمناها لنفسه..
    هتف النبي: أين علي؟
    تقدم تسبقه ثلاثون عاماً من الطاعة لله ولرسوله بعينين أرمدين مسحهما النبي بكفه...
    استلم راية العقاب، حملها وأسرع مهرولا نحو خيبر، والحماس يتلع في نفوس الجند خلفه، وصل الحصن وهو بلا درع، وأشعة الشمس تلمع في جبهته.
    كان خصومه مدججين بالسلاح محصّنين بالدروع، لكنهم كانوا يتساقطون من طرف سيفه الواحد تلوا الآخر..
    الكل يراقبه بعد أن وصل إلى باب خيبر، وقد هبط إليه مرحب من درجات الحصن؛ كتلة من حديدٍ تتحرك، وفي قبضته حربة لها ثلاثة رؤوس كأنها رؤوس الشياطين، وليس هناك من ثغرة في كل جسده الفارغ يمكن للسيف أن ينفذ منها.
    توقعوا نهاية علي وهو يتلقى حربة مرحب حين صوبها نحو صدره، لكنه رجع إلى الوراء ثم اعتلى في الهواء ليهوي بضربة هائلة أودعها غضب السماء قصمت ظهر العجل الذي أطلق صرخاته قبل أن يحترق.
    كان السامريون قد اقسموا: لن نبرح عليه عاكفين، لكنهم غادروا مهزومين بعد أن دكَّ عليٌ خيبرهم واقتلع بابها ليضعها قنطرة فوق الخندق يدرج عليها فرسان المسلمين نحو الحصن يتبروا ما علوا تتبيرا.
    غارت الأفاعي في جحورها محطمة الأنياب، وعاد السلام يخفق فوق الأرض وراية علي عنوانه، تزفُّ النصر بشارة إلى النبي محمد..
    عانقَ النبي أخاه علياً، حلقت الفرحة فوق الرؤوس كفراشات ترفرف عالياً، وقد ترصع سجل المكارم بفضيلة أخرى لعلي هي حب الله له ورسوله.
    محمد مشعل​
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X