لطالما كنا غارقين في عوالمَ خياليةٍ متناسين عوالمنا الحقيقة، منقادين لأشياء وهمية، ومعارضات تضمر شرّاً من مكائد الشيطان، نجد أنّ الكلمات أصبحت عارية تماماً، من غير جلابيب، ألفاظ سحيقة، وحروف ملؤها اللؤم، والانحطاط، والشتائم .
كما أنّ ترهلات جنسيّة سيطرت على ذوات وأنفس المتخبطين، المُحبَطين بما لا يعني إلّا المجون، وساقتهم إلينا غزاة أسوأ من أيّة غزاة، وإنّك لو مررت عليهم ناصحاً؛ لكون رأسك انخفض خزياً وانكساراً لسماعهم قيل لك: ليس لك الحق بردعهم، وسوف تلقى ما تلقى من القذف والشتائم تحت شعار «دعه يفعل ما يشاء طالما لم يُؤذِ أحدًا».
يتساهلون مع أصحاب الخطيئة، ويبررون سقطاتهم، ولربما أفعالهم تريحهم لسبب واحد: وهو أنّ الإنسان يضمر خطاياه، فيفرح إذا شاهدها في غيره، ويشعر بارتياح الضمير، مع أنّ الحقيقة أنها إثبات لدونيتهم، وتلجّ ألسنتهم بالحجج الواهية وأنهم ليسوا الوحيدين الذين يفعلون مثل هذه الخسّة والدناءة، فعند غدوهم ورواحهم يشجعون من هم على شاكلتهم، متناسين الخراب غير المرئي (الذاتي والنفسي)، منكرين أن كثرة الكلمات المتدنية على القلب ستذهب بريحهم، وسيتيهون في مفارقات وموبقات شيئا فشيئا عن طريق الله.
معارك إبليس ضدنا نحن جنس البشر واضحة جليّة يلقي على لسانك كلمة سحيقة حتى تصبح مستساغة لديك، وتكبر شيئا فشيئا حتى تصبح فعلاً، فأول الفعل كلمة .
علينا أن نكسي كلماتنا روحاً قدسية كما ألبسنا الله روحا طاهرة، وإلا ندنس تلك الروح، والنفخة الطاهرة بكلماتنا وأفعالنا..
فلنجعل العفة جزءاً من حياتنا، وحتى عندما نكتب شعراً، أو نثراً، أو ما دون ذلك، وبذلك ننجو من فقد أنفسنا في كل يوم، فتصفحوا الكلمات التي تجول خواطركم، وقولوا لها: «ماذا لو خسرنا العالم وربحنا طريق الحق ابتداء من الآن».
وأختمُ بما افتتحت به حروفي، وهو أنّ العفة ليست قاصرة على الجسد وإنما بالكلام، فهي دعوة للتجرد من الكلمات الرديئة، وألّا نسيء لأحد بكلمات جارحة، أو بكلمة استهزاء، أو احتقار، أو ازدراء، فلننزه أنفسنا بعفة كلماتنا، ونأخذ بها حيث الطهر، واللطف، وإصلاح الاعوجاجات، وجلاء أكدارنا .