في العاشر من محرم الحرام سنة (٦١) هجرية، جرت محاورة بين إله السموات والأرض، وبين يقين أهل الأرض الذي منحه الله تعالى التمكين، ومنّ عليه بالقدرة.
إله السماء: لابد من تضحية بالنفس والاخوة والصحب والبنين؛ كي تنضج حكمة الفداء ما تهبه قرابين مزكاة برحمة الخلود، وليستقيم دين جدك محمد الصلاة عليه وعلى آله.
يقين أهل الأرض:ـ أنا يا سيدي متيقن من صبري وصبر نسوتي وعيالي وأهل بيتي، نقدم لجلالك القرابين، وهذه عهدة عهدها لي جدي المختار ولا شيء يقلقني، وما يقلقني هو خذلان الناس لهذه المسيرة المعطاء من جدي وأبي وأخي الحسن (عليهم صلواتك) وها هم اليوم يحشدون الآلاف لقتلي، إذ هم لا يطيقون وجودنا، كيف سيطيقون الرسالة الإصلاحية التي احملها اليهم، بعدما استمرؤوا الظلم وعشقوه، وتركوا الوجدان يسرح في كيس ابن زياد.
إله السماء: لا تقلق, فأنت ومسعاك حجتي، ونهضتك نهضة الامة في كل العصور ستتخلد هذه الوقفة لتستقيم بها الأكوان، ويعدل بها الوجدان الإنساني ليرفض الظلم، هي رسالة لها من يكملها بعدك، حتى لو بعد آلاف السنين.
يقين اهل الأرض:ـ ليس لدينا سواك معنى، فباسمك نحيا وباسمك نموت ولا خير في بقاء دون طاعتك، نزكي بعبوديتك هذا الوجود، ونسمو حضورا لتحكم بعدنا الكلمة التي رسخنا بها ممالك اليقين، فلا خيار يا إلهي امام ما تريد لا خيار، وأشهد أنك انت الله لا اله غيرك، وأن جدي محمدًا عبدك ورسولك والأمين.
إله السماء:ـ الوقفة ستلهم كل المواقف آيات صبر وتسليم، كل شيء في هذه اللحظة قابل للتغيير، ارفع يد الرجاء وسترى بعينيك كيف يتغير المشهد وهذه الآلاف ستراها مجرد غبار.
أطلق سهام دعائك لتموت التربة تحت اقدامهم، ويصبح هذا الجمع خورا، لكن يختلف الامر، فلن تجد في الكون ناصرا ونصيرا، ويستكين في هذا الوجود الظلم، ويستشري في العوالم الذل.
بعد أن أتم الله سبحانه كلامه، كأني بلسان حال الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال:
تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا
وأيتمتُ العيالَ لكي أراكا
فلو قطّعتَــني بالحـبّ إرباً
لَـما مال الفؤادُ إلى سواكا
جاءت الموافقة من سيد الشهداء ليربح خيار التضحية وليحافظ على استقامة الدين من بعده، جاءت الموافقة التي عهد امير المؤمنين (عليه السلام) فيه وعهد النبي (ص) ليبتسم القرار الإلهي لهذه الصرخة التي سيبقى صداها يرفل بالعدل وصحوة الضمير.