أشعة وهاجة لرجل ملأ التأريخ فكرا، وتجلى بقوة الموقف، في عمقه الإيماني كان ابن طاووس أعبد أهل زمانه، ومن الوجهة الفكرية هو صاحب كمالات سامية، نقيب الإشراف في القرن السابع الهجري والكثير من المنجزات التي ساهمت في حضوره في التأريخ بقوة، فكان ممن عن طريقهم وصلتنا أدعية رسول الله (ص)، وأهل البيت (عليهم السلام) إلى الأجيال، هذه من المميزات التي ترفع رأس ابن طاووس.
الرجل فيه فرادة وتميز لا ندعي له كرامة أو نضيف إليه شيئا، وهو صاحب المؤلفات النوعية الكثيرة، في مجال التزكية وأدب النفس المعامل مع الله تعالى وأوليائه سبحانه، وسائر الناس (عيال الله)، بهجة عمامة السيد ابن طاووس أكاد أشعر بها يتصل نسبها بالإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، هو رضي الدين وابن طاووس نسبه لأحد أجداده لقب لجمال وجهه.
ولد في مدينة الحلة سنة (589) هجرية من عائلة علمية، لابد أن نمر بتلك الأولويات، أولويات الحضور المهيب هو ابن سعد الدين موسى بن جعفر بن طاووس من الرواة والمحدثين، أمه ابنة الشيخ ورام صاحب كتاب (تنبيه الخواطر ونزهة النواظر)، تاريخ هذا الرجل الذي درس علومه على يد أبيه وجده ورام: «نشأت بين جدي ورام ووالدي، تعلمت الخط والعربية، وقرأت علم الشريعة المحمدية، وقرأت كتبا في أصول الدين».
هل علينا أن نسرد ما نقرأ أم علينا ان نقف أمام هذا الإجلال بخشوع؟ كان سفره الى الكاظمية يعد خطوة من خطى البحث عن العلم، وامتلك مكتبة نفيسة، عندما يؤمن الإنسان بشخصيته عليه ان يقدمها بالشكل الذي يليق به، وببهجة عمامته التي تربعت على منجز وقور عدته خمسين كتابا اغلبها بشؤون الأدعية والمستحبات، ومؤلف واحد في الفقه عنوانه (غياث سلطان الورى لسكان الثرى) في فضاء الصلوات عن الأموات، وله مؤلف واحد في علم الكلام؛ لكوني كاتبة على مستوى ليؤهلني التقييم جعلني أبحث في ما قاله العلماء عنه:
العلامة الحلي: السيد بن طاووس أعبد أهل زمانه.
ــــــــــــــــــــــــــ
الحر العاملي: كان ابن طاووس شاعرا بليغا.
ــــــــــــــــــــــــــ
العلامة المجلسي: السيد النقيب الثقة الزاهد جمال العارفين.
ــــــــــــــــــــــــــ
الميرزا حسين النوري - صاحب كتاب مستدرك الوسائل: ابن طاووس صاحب الكرامات الباهرة.
ــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ عباس القمي: ابن طاووس مجمع الكمالات السامية.
لا يمكن لقارئة مثلي أن تمر على شخصية ابن طاووس دون أن تطل على الجانب الآخر من الشموخ وأعني معارفه القلبية، والقصد هنا واضح معناه التعمق في وجدانيات العلاقة النوعية مع الله (عز وجل)، ربما سنطرق سرّا من أسرار حياته، افق من ملامح البيان ورد في ترجمته على المواقع الالكترونية جعلني أقف أمام بحث سيرته يعتمد بما يسمى تهذيب الباطن وتطهير القلب والاستئناس بالتعبد والدعاء.
تسألني إحدى صديقاتي الكاتبات: هل وجدتِ تصريحا له بما تصرحين انت عنه؟ كان ابن طاووس يتحدث بها، لكنه ترك التفاصيل: «الله ألهمني معرفته، ومن يبحث عني عليه أن يحمل وجدانا يغنيه عن البرهان»،.
سؤال: أنت كتبتِ العنوان بهجة العمامة، ولم تعيني بعد لنا نوع هذه البهجة؟ اعتقد ان ما ذكرناه اغنى واثرى موضوع البهجة في عمامة تمتعت بمكانة مرموقة لدى العامة والخاصة.
الخليفة المستنصر العباسي يتودد إليه وولاه الوزارة فرفضها، أليست هذه بهجة عمامة تتنزه عن العرش؟ وفي تشخيص له للقضية بأن العمامة لها ثقل لا يحتمله الملوك، وعدّ المناصب كلها شركا نصبه الشيطان ليفرق بين المكان وبين الله جل جلاله فاعتذر باعتذارات كثيرة.
تذكر عمامة هذا الرجل بعمامة ابي ذر الغفاري (رضوان الله عليه)، واعتقد ان هذا هو السبب الذي جعله يترك بغداد وينتقل الى النجف، ثم الى كربلاء وبعدها يرجع الى بغداد.
لابد ان اختصر قصة عمامة كان بمقدورها وحدها ان تصدّ التتار باحتوائهم ودعوتهم الى الاسلام، لكن المستنصر العباسي منعه وعدّ هذا الفعل لونا من الوان الضعف يحسب على سلطته أمام القادة المغول، وابن طاووس قدر أن يخرج بعمامته لمخاطبة زعماء التتار وتدبر الأمور، وعند سقوط بغداد استطاع ان يحقن دماء الناس من عتاة التتار بحكمته وحنكته، وقاد نقابة الطالبين حين استحكمت المصلحة العامة. رحم الله ابن طاووس.