تعدّ القراءة المستمرة إحدى دعامات وأساسيات الكتابة، ومنطلقا لتطور قابليات الكاتب المستجد، حيث إنها تفتح الآفاق للغور في مديات الكلمات ومعاني الجمل وروعة النظم وبتكرار التجربة والخوض في عراك شرس لتصفية الذهن وانتظام الأفكار وتدفّق الكلم بانسيابية نصل للمراد، ويشحذ القلم همته من سنا الرؤية الجميلة، وتعابير النصوص المعبرة، ويغرّد الحبر عبر زقزقة الأحرف الرقراقة التي تنعش القلب وتطيب النفس وتبهج الروح.
عندما كنت في طور الابتداء في الكتابة، كان القلم يرتجف بين أناملي وأحيانا يقف طويلًا بلا حراك، حيث تأخذه الأفكار إلى التشتت والانطفاء فلا يخرج بعد ذلك الوقوف بشيء إثر ازدحام المشاعر واضطراب الكلام.
كان الاضطراب يبدأ من أول شروعي في الكتابة، فيصطدم ويرتد مرات وتتعثر الأحرف كثيرا في مسارها، حتى إني كنت انسحب أحيانا، وأترك القلم والورقة برهة، وأعود إلى شغفي بعد حين من جديد .
لم أكن أعبأ بتلكؤي، ولم يحد من ملكتي هذا الاضطراب، بل كنت ازداد حبا ورغبة وتعلقا بالورقة، وظلّ اختيار العنوان معضلتي لوقت طويل، ولطالما غرت في تفاصيل رتيبة كنت أحسبها مهمة، وذات علاقة قوية بقصتي، فإذا بي أنهك القصة، وأسهب في المقال حدّ الملل، وأشبعه بالحشو والاستغراق دونما قصد .
كما كنت أقف عاجزة على لملمة الأحداث في الأخير، وصياغة نهاية أو خاتمة صادمة للقصة.
وغالبا ما كانت المفردات تتكرر وتعاد ما بين السطور نفس المعاني، وتتكرر في وصف نفس المشاعر والأحاسيس لقلة خزين المفردات لديّ .
وبعد محاولات تترى، وجهود مضنية، وقراءات أدبية راقية، فككت شفرة الكتابة وصارت لي كل الأمور سهلة وميسرة وبرعت في الكتابة بأساليبها المختلفة من نثر أو قصص أو مقالات أو ومضات أو متلازمات مكثفة .
الكتابة طريقة واعية للتنفيس عن الذات، وخلق مناخات بارعة من خيال الكاتب الحر أو سبيلا لسرد حقائق دامغة تنقل المتذوق بين سطورها الى أزمنة وأماكن وأحداث ليست معاشة، لذا فإن المبتدئ يلاقي ما يلاقيه من مصاعب حتى يرتجل واقفا دونما عكازة.
وهكذا تخطيت العراقيل الواحدة تلو الأخرى، ومضيت نحو أهدافي تسوقني الرغبة العارمة للارتقاء وتحفزني الإرادة الصلبة التي تحتويني؛ لتخطي كل العقبات، حتى تناثرت اليوم بين راحتي ثمانية مؤلفات بين مجاميع قصصية أو سرد سيرة غيرية أو التبحر في بحوث متنوعة .
لم تقف راحلتي عند منعطفات الحياة، ولم ينكسر قلمي، بل ظلّ يحارب في جبهته حتى حقق الانتصارات وخاض غمار المواجهات الشرسة التي عمدت إلى إطفاء سنا نوره، وهذه هي صلب الرسالة التي أحبّ توجيهها لكل المبتدئات في الكتابة ألا ينطفئ نورهم أمام لجج الظلام التي تواجههم، ولا تنهار عزميتهم على أول سلالم الصعود، كما أوصيهم بالقراءة الواعية المتنوعة التي تضيف للخزين إبداعًا ونماء ورقيا، وأن يكتبوا ويكرروا المحاولة بكل عناد الصغر، وبحجم نزق الطفولة الغراء.