الغيرة هي السعي في المحافظة على ما يلزم المحافظة عليه، وهي من نتائج الشجاعة وكبر النفس وقوتها، ومن أشرف الملكات، وبها تتحقق الرجولية.
منها الغيرة والحمية على الدين وتقتضي حفظه عن بدع المبتدعين، وانتحال المبطلين، وقصاص من المرتدين، وإهانة من يستخف به من المخالفين، وردّ شبه الجاحدين، ويسعى في ترويجه ونشر أحكامه، ويبالغ في تبيين حلاله وحرامه، ولا يتسامح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال النبي (ص): «إن الغيرة من الإيمان».
والغيرة على الحريم تقتضي حفظهن وحراستهن، قال رسول الله(ص): «كان أبي إبراهيم عليه السلام غيورا وأنا أغير منه».
وقد عُرف مولانا أبو الفضل العباس(عليه السلام) بهذه الصفة الشريفة، وبها تميز كآبائه الأطهار واخوته الأكرمين(صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) حتى تحولت الى مصدر إلهام للشعراء، وطاروا في صورهم الشعرية في سماء الذكرى، وهم يصوّرون غيرة أبي الفضل(عليه السلام)؛ لقيامه بدور مشرف في رعاية مخدرات النبوة وعقائل الوحي، فقد بذل قصارى جهوده في حمايتهن وحراستهن وخدمتهن، فكان هو الذي يقوم بترحيلهن، وانزالهن من المحامل طيلة انتقالهن من يثرب إلى كربلاء.
أبو الفضل العباس(عليه السلام) بذرة علوية بذرها أمير المؤمنين(عليه السلام) بيده ورواها بمعينه، واحتضنتها أرض منتجة طاهرة اسمها أُم البنين(عليه السلام)، فأصبح شجرة شاهقة أغصانها في سماء العزة والخلود، متجذرة عروقها في أرض الإباء والوفاء، فنهل المقامات المعنوية العالية، واستحق المديح الصادق على لسان المعصومين(عليهم السلام).
قال الإمام علي(عليه السلام): «إن ولدي العباس (زق العلم زقا» وهو من زق الطير فراخه، إذا اطعمهم غذاءهم، والمعنى المراد هو أن الإمام عليا(عليه السلام) أطعم العلم اطعاما لولده العباس(عليه السلام) منذ حداثة سنّه ونعومة أظفاره، وهذه الشهادة التي شهِد بها أمير المؤمنين لولده العباس تعطي انطباعاً مهماً عن شخصيته العلمية، فضلاً عن تفقهه وبصيرته، قال الإمام الصادق(عليه السلام): «رحم الله عمي العباس فلقد كان نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهَدَ مَعَ أبي عَبْد الله عليه السلام فأبلى بلاء حسنا ومضى شهيداً».
إضافة إلى نفاذ البصيرة والإيمان أشاد الإمام الصادق(عليه السلام) بجهاده المشرق بين يدي سبط رسول الله(ص)، وسيد شباب أهل الجنة، ويعدّ الجهاد في سبيل الله من أسمى مراتب الفضيلة التي انتهى إليها أبو الفضل، وقد أبلى بلاءً حسناً يوم الطفّ، ولم يرَ الناس على امتداد التاريخ وفاءً مثل وفاء أبي الفضل لأخيه الإمام الحسين(عليه السلام)، ومن المقطوع به أنه ليس في سجل الوفاء الانساني أجمل ولا أنظر من ذلك الوفاء الذي أصبح قطباً جاذباً لكل إنسان حرّ شريف.
لم يكن جهاد أبي الفضل العباس(عليه السلام) في الطف نابعا من العصبية والعنصرية بل كان غيرة وحمية على دينه، وأشار الى ذلك في رجزه يوم عاشورا حين قال:
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين * نجل النبيّ الطاهر الامين
برز أبو الفضل العباس(عليه السلام) على مسرح التاريخ الاِسلامي كأعظم قائدٍ فذّ لم تعرف له الإنسانية نظيرا، حاك من الغيرة ع