يعدّ الخطاب الوعظي أساسا قويما من أسس بناء المجتمع، وضرورة حتمية لرفعة الأمم وتطورها، لذلك كانت خطبة الجمعة لها وقعها المؤثر في المجتمع العراقي والإنساني، وخطب الجمعة من العتبة الحسينية المقدسة استطاعت أن تكون أنموذج حيّا لقيادة المجتمع؛ لكون تلك الخطب تستلهم منهج أهل البيت(عليهم السلام)، وتعالج به كلّ مناحي الحياة وجوانبها، وخطبة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ليوم(14 تموز 2006م) عملت على توجيه الناس الى القيادة الصحيحة، مركزا على معنى قوله تعالى: «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»[الشعراء/89]، حيث جعل الله تعالى وسيلة النجاة هو القلب السليم. والمال والبنون كونهما ركنين أساسيين في الحياة الدنيا، وسائل عزة ومنعة ونصرة ويمكن أن تنفع الإنسان للوصول إلى رضا الله تعالى، وسعادة ونجاة في الحياة الآخرة، لكن علينا أن نفهم التصور لغاية المعنى.
إنّ أي عمل خير وصلاح لابد أن يكون وراء ذلك قلب سليم، القلب السليم هو الذي يقود الحياة الى فعل الفعل الخير والصلاح، الخطاب الموجه أي ما يحمل مقصدا يعالج أمورا نفسية تمنحنا معنى هوية العمل، بنية هذه الهوية مسألة في غاية الدقة، فكرة معبرة عن واقع روحي نعيشه دون أن ننتبه عليه، بمعنى الذي يبني الموقف، معنى ما سلم القلب من الصفات الذميمة والعقائد الموضوعية.
ملخص الخطاب أن بدون هذا القلب لا يمكن التحرك نحو الأفعال التي تنجيه يوم القيامة، المال والبنون وسائل وضعية اعتبارية لا نتيجة لها في الآخرة، وخطاب الجمعة خطاب تربوي يحمل في طياته مسؤولية إعداد المسلم الحقيقي منطلقا من القيم الإسلامية، ومرتكزا على منهجية أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في بيان حقيقة القلب: «إن القلب السليم الذي يلقي ربه وليس فيه أحد سواه».
من أهم مؤثرات خطبة الجمعة هي أن تستمد مادتها من إرث آل محمد (عليهم أفضل الصلوات) والذي هو إرث الإسلام المحمدي، مخاطبا الوعي الإنساني الشمولي دون النظر إلى انتمائه بل النظر إلى دينه، فلا يوجد في القلب حبّ ومشاعر إلا وهي متعلقة بالله تعالى، ولا يوجد توكل، ولا يوجد أمل، ولا يوجد توجه في هذا القلب إلا وهو متعلق بالله سبحانه تعالى، إذا امتلأ القلب الإنساني بهذه المعاني، فالقلب سليم، لنصل الى مفهوم الموضوع وخلاصته: «أرادوا الزهد في الدنيا لتتفرغ قلوبهم للآخرة». ويعني من أجل المحافظة على استقامتهم أبعدوا القلب عن زينة الدنيا.
وخطاب الجمعة يعتني بمراعاة البعد النفسي للإنسان، الإمام الصادق(عليه السلام) يقول: «هو القلب الذي سلم من حب الدنيا والامتلاء بحب الله تعالى»، وشخّص النبيّ(ص) مسألة مهمة: «حبّ الدنيا وحبّ الله لا يجتمعان في قلب أبدا».
وقد يرى بعض الناس أن مفردات الدنيا قادرة على تحقيق مقاصد أخروية والسعي القصدي يرمي الى أن لا تكون تلك المفردات التي يؤثرها الانسان على حب الله تعالى، متى ما آثر حبّ الله على حبّ المال، وعلى تلك المفردات يعني امتلاء قلب ذلك الإنسان بحب الله تعالى.
خطبة الجمعة هي قائمة على مقاصد الشريعة ومنهج أهل البيت والنظر بتأمل في آيات القرآن الكريم، الله سبحانه تعالى في سورة يوسف آية 106: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ»[يوسف/106]، مؤمن ومشرك في إنسان واحد، الانتماء لتلك التحزبات الدينية والتيارات تجعل في القلب خدشا في الإخلاص؛ لأنه لابد أن يتبع موقف حزبه ويعتبرها قضية، والإخلاص يعني النظر الشمولي العام لمصلحة البلد والشعب ومصلحة المؤمنين، لذلك نجد الكثير من الأمراض الاجتماعية تدخل في عدم سلامة القلب، مثل النفاق، وأن يمتلك الإنسان أكثر من وجه يعيش به بين الناس.
وهناك تشخيص لإمام معصوم هو سيدي الإمام الباقر(عليه السلام): «بئس العبد عبد همزة لمزة يقبل بوجه ويدبر بآخر»، كما شخص إمامنا السجاد(عليه السلام) قضية الذنوب التي تردّ الدعاء هي سوء النية، وخبث السريرة، والنفاق، وقانا الله تعالى شرّ كلّ