هزّ رأسه بغضب ثم قال:ـ لن أغيّر رأيي، وانتهى الموضوع، حاولت أن أقنعه:ـ أنا ومجموعتي سنفعل كل ما تأمرنا به، وكل الذي اطلبه منك هو أن نتدارس الموضوع، وأن نخبر الفوج أول.
أجابني:ـ أنا الفوج يا علي، أنا الفوج الذي لابد أن يتحرك عند أي طارئ غير محسوب، الفوج يحتاج إلى اخبار وتحضير واوامر واستعداد وتخطيط ونحن بحاجة الى كل دقيقة؛ كي لا يفاجئنا الهجوم، وماذا تريد من الفوج؟ كل شيء جاهز، ونحن نمتلك الإرادة، نحن ذاهبون الى حرب ولابد ان نشعلها في حومتهم، اذا انتصرنا فهو خير، واذا استشهدنا فلقد حققنا الإخبار الملائم للفوج.
صرت انظر إليه وأتمحص في هذه الإرادة القوية، هو أحد أبطال المصارعة، وله بطولات كثيرة أهمّها الحرب كما يقول، لكن الذي لفت انتباهي ونحن عن الموت خطوتين: لماذا يسمونك هوجان؟ ابتسم لي وقال: ما الذي ذكرك بهوجان الآن، وأنا عبد الحسين عباس العميدي.
أعجب بي ذات يوم مدرب أجنبي وقال عني هذا: (هذا هوجان العراق) وعرفنا بعدها انه هوجان مصارع عالمي قديم لم أسمع به، ولم أر له نزالا، لكن مع هذا لصق اللقب بي، قلت له: أمامك الحلبة يا هوجان، أجابني: وسأعلمهم من هو السيد عبد الحسين العميدي.
المقاتل في الدقائق التي تسبق المعركة يحب الصمت، وأنا يباغتني السؤال: ما علاقة المصارعة بالقتال؟ أجابني وهو بتلك الحال المتأهب للموت: كل صراع يعتمد على قوة القلب والإرادة والإيمان، لابد أن نهجم اللحظة لنكيل لهم الهزيمة، ونقود نحن المعركة، وليس هم، لنكون نحن أصحاب القرار.
منذ زمن والجبهة لم تشهد مثل هذا الهدوء الغريب، ضحك هوجان وقال: إنهم يريدوننا أن ننام ليصطادونا كما يصطادوا دجاج الماء. التفت اليّ وباغتني بسؤال:ـ هل أنت خائف؟ قبل أن أجيبه صرت أحدث نفسي، فأنا أعتقد أن الخوف في المعركة ميزة من ميزات الشجاعة، لا تريد أن تخسر روحك دون أن تقدم شيئا بحجم النصر.
صحيح نحن نقول: إن الشهادة نصر، لكن هذا يعني إذا حضرت لحظة الاستشهاد فهي أيضا تحسب من النصر، وكل شيء يقدم دون حساب في الحرب يعني هو تهور لا يقدم للمعركة شيئا، وكأنه قرأ صمتي وأجاب:ـ الحسابات غير موفقة إذا كانت لا تملك سعة لاحتواء كل مفاجأة، وهذا الذي يحدث الآن ليست أفكارا لتُناقش وتُحاور وتمنطق، إنهم تجمعوا بين شقوق الأرض وخلف البنايات القديمة وهياكل البيوت يخافون المواجهة، تصوروا أننا نمتلك عددا كبيرا من المقاتلين، سألته: وهل أدركت النتيجة؟ ابتسم حينها ونظر اليّ وقال: ماذا لو كنت وجهت السؤال لعابس او برير في واقعة الطف قبل استشهادهم بقليل؟ هل كنت تعرف النتيجة يا عابس؟ هل تتوقع ماذا كان يجيبك؟ سيعطيك مفهوما لا يمتلكه الإنسان إلا حين يدرك انه سيد الموقف.
هوجان في الحلبة فاز وان خسر هو سيعود الى البيت، لكن عابس بيديه المصير ليس هناك نزال بعد هذا النزال، ليس هناك قيمة للبقاء إن قتلوا الحسين(عليه السلام)، الحسين هو الوطن يا علي، دعونا نغير مواقعنا، هي فرصة لا تتكرر، وأنا لست هوجان، لا أريد أنصاف الحلول، لا أريد أنصاف النتائج، هي نتيجة واحدة هذا هو الفارق بين هوجان الحلبة وعابس الطف، لهوجان فرصة التعويض إذا خسر، ولعابس رفعة الراس وبياض الجبين.
وحين اشتعل الغضب وحانت المواجهة صاح عبد الحسين لنقرأ سورة الفاتحة ونهديها لمولاتي أم البنين(عليها السلام) تسهيلا للأمر، وهمس في أذني: لا تستغرب إذا ما رأيت مع كل مقاتل حسينا.