ها هو موسم الأحزان يطلّ علينا من جديد؛ ليحمل بين طيّاته آهات ومصائب ما جرى على آل بيت الرسول (ص)، فترى السماء تلبّدت بسحائب الحزن العاشورائي، معانقة مراقد الشموخ والإباء في أقدس بقاع الأرض، حيث تطوفه ملائكة الرحمن معلنة بدء مسيرة الزحف المليوني صوب ضريح سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام) مجددة العزاء بهذا المصاب الجلل، وهي تمارس شعائر الحزن لأعظم فاجعة في تاريخ البشرية، كيف لا وقد قُطعت الرؤوس، وطُحنت الأضلاع، وأُحرقت الخيام، وسط تعالي صيحات النساء والأطفال.
لقد كان استشهادك سيدي إحياء لدين جدّك، حين افتديت نفسك دون الإسلام، فعشق الموت بك الحياة، ولثوب العز قد ارتدى، كيف لا وانت الصراط المستقيم الذي به خلق الله اهتدى، بعدما تصدّع جسد الأمة الاسلامية من الأفعال المشينة لبني أمية الذين حاولوا طمس معالم الدين الحنيف، لذلك كان لا بد من وضع حدّ فاصل بين الإسلام وبين المبادئ الدخيلة عليه، ليخط طريق الحقّ، فكانت تلك الملحمة الخالدة كالصعقة التي أحيت الجسد من جديد.
إنّ الدروس العظيمة التي أنتجتها نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) في الأخلاق والإباء والتضحية لا تُحصى، ووقفته البطولية يوم الطف يعجز اللسان عن وصفها، فأصبح رمزا للثائرين في كلّ بقاع الأرض، لاسيما أن المجتمعات الانسانية اليوم بأمسّ الحاجة الى الأبعاد الانسانية والاخلاقية والروحية التي جسّدتها واقعة الطف أروع تجسيد.
ومن عجائب هذه النهضة المباركة، هو انها حاضرة في كل زمان، وشعلتها متقدة في نفوس المؤمنين، رغم مرور مئات السنين على حدوثها، حتى اضحت منارا للمستضعفين، وطلاب الحرية على مرور الأزمان.