تأليف: بايزيد البسطامي
تحقيق: مركز إحياء التراث في العتبة العباسية المقدسة
القسم الثالث
لجنة النقد الأدبي
تعرضت عصمة النبي (ص) إلى الكثير من الطعن والتشويه والتحريف على يد أباطرة التحريف ومرتزقة الوضع والتزوير، وإلا فإنّ عصمة النبي (ص) مثبتة في القرآن الكريم، وفي أكثر من آية قرآنية، مثل قوله تعالى «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»[النجم/4]، فهو يعتمد في منطقه على الوحي، لابد أن يكون مُصانا عن الزلل أو الخطأ، أو السهو، في كلّ ما يبلغ به وكلّ ما يقوله ويفعله، طعنوا في تفسير آية «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى»[الضحى/7]، وحررت الكثير من الآراء للدفاع عن عصمة النبي، وأطلق بعض أهل الضلالة خرافات كثيرة وضعوها، بينما أغلب علماء العامة دافعوا عن عصمة النبي (ص)، القاضي عياض في كتابه الشفا يقول: «وقد قامت الحجة وأجمعت الأمة على عصمة النبي (ص)، كما فعلت اليهود في الكذب على نبيهم».
والله تعالى يقول: «كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا»[الفرقان/32]. وقوله تعالى: «سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى»[سورة الأعلى/6].
وهناك استشهادات قرآنية أخرى تبيّن أن الله سبحانه تعالى جنّب نبيه من الأمور الخارجة من باب المعاصي: كالغلظة والفظاظة وقول الشعر، وهذه دون مدح الأصنام المعبودة لغير الله تعالى، وجاءت الشبهات المصنوعة من «تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن ترتجى»، قول مصنوع ومعدّ إعدادا مقننا، والمراد بالغرانيق الملائكة، وجعلوا من الأصنام ملائكة، وجيّروها باسم النبي (ص) عندما يتحدث فلاسفة علم الكلام عن طبيعة العقل الإنساني في تعامله مع العقيدة مع الالتزام الكامل بالنصّ.
المسألة تحتاج الى قراءة صحيحة لآيات القرآن دون قسر تأويل ووضع، الله سبحانه تعالى جنّب نبيه الفظاظة والغلظة والعجلة وحين تأتي النصوص الطعن بالنبي (ص) تسيء إلى مكانة النبوة، فهل علم الكلام عندهم متخصص للدفاع عن انحرافات التأويل، والعلم أساسا يعمل ليكون الإيمان عن نية، وكيف تطمئن القلوب وكبار علم الكلام عندهم لا يجيدون سوى الطعن والدفاع عنه واتهام من يدافع عن عصمة النبي بأنه ضد الحنفية السمحاء، طعنوا في آية: «إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا {1} لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ...»[الفتح/2].
وكان ردّ الكتاب في هذه الشبهة واسعا ودقيقا، والبحث عن العصمة من أهم المباحث الكلامية، والجماعة نسبوا الى رسول الله (ص) السهو الذي يصل حدّا يُوجب الكفر، وكتاب الله يقول: «وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ...»[النساء/113]، هذا لطف وفضل ورحمة يصون النبيّ من الزلل.
يقول لقد عاتبَ الله النبيّ في إعراضه عن ابن ام مكتوم: «عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى»[عبس/2]، ليس هناك ما يدلّ أنها وجّهت الى النبي(ص)، المعنى هنا غير النبي؛ لأن النبيّ لا يتصف بالعبوس، وهذا العبوس ليس من صفات النبي، وليس من سماته أن يتصدى بوجهه للأغنياء، ويصرف وجهه عن الفقراء، هذا مما لا يوصف به نبينا الكريم.
وآية التطهير تدلّنا على عصمة الأئمة، وعلى عصمة أهل البيت (عليهم السلام)، والإمام يكون حجة على الخلائق. علماء العامة يناقشون في علم الكلام تحريم الجدل والمناظرة في الدين على وجه الاطلاق، والمقصود هو ما كان على سبيل المغالبة أو التكلف.
المسألة وصلت حدّ الطعن بالنبي(ص)، فماذا بقي من المغالبة؟ وماذا بقي من التحريم؟ المناصب الإلهية هي عهد من الله تعالى، ومنها الإمامة، فهي انتخاب إلهي واصطفاء وتنصيب من الله تعالى.
وقد قرن النبيّ (ص) الأئمة بالقرآن الكريم، وهذا معترف به في المستدرك للحاكم، وكذلك ركز عليها أحمد بن حنبل في مسنده والقندوزي والكثير منهم، يقول الإمام علي(عليه السلام): «بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبد الله، ولولا نحن ما عُبد الله».
وابن حزم ينكر الوصية والعصمة، ويجعلنا وأئمتنا مجرد استمالة فارسية لإظهار محبة أهل البيت، فكيف تريد من أتباعهم أن يبتعدوا عن الطعن والتنكيل ما دمنا مشروعا فارسيا؟ وهل ثمة خدمة اكبر من التي قدمها ابن حزم للفرس، إذ جعلنا والأئمة بعيدا عن العرب قريبا من الفرس، وما لدى العرب سوى هذا المجد الهاشمي؟
ومثل هذه النقاشات لا تخل بالانتماء الوطني او من المواضيع التي تحسب للفرقة، وانما هي محاورات لتبعد عن المجتمع مجانية تصريحات ابن حزم وما قالوا لتصل الى الحقيقة، ولذلك الكثير منهم يرى ان علم الكلام علم غير مرغوب فيه، يقولون على سبيل الطعن بإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «ما باله لا ينازع المتآمرين بعد النبي؟» حاولوا اولا التشكيك بجميع ما روي من نصوص صريحة في وصية الرسول(ص) بالوصية واتهام من يسمونهم بالرافضة والغلاة، أولًا اعتزال الساحة السياسية، وسلبهم للخلافة لا يكون موجبا لزوال إمامته، وبعض مهام الامامة يمكن ممارستها بعيدا عن الحكم، اذا امتنع الناس عن سعيه وخذلوه وتخلوا عنه فقدَ القدرة على اداء المهام المطلوبة، فان قبلوه ونصروه واتبعوه كان في ذلك صلاحهم، وإن اساؤوا الاختيار لم ينصروا الله شيئا، اعترضوا على الامام بالسنّ، فهناك من هو أسنّ منه من المشايخ، وهذا الاعتراض كان ايضا في زمن النبي، عندما أمر أسامة بن زيد في آخر جيش جهّزه قبل وفاته، بعض كبار الصحابة كان يكره ان يتولى عليّ(عليه السلام) الأمر خوفا من شدة وطأته في أمر الله، ولذلك نصّ رسول الله على علي(عليه السلام) لم يوافق هوى الكثير منهم، وأحقية أمير المؤمنين كانت موضع تسليم، وحدد الامام أسلوب احتجاجه بما يتناسب، ومن يطالع شخصية امير المؤمنين يفصح بأن ما وراء مواقفه من السقيفة وبعد تضامن رسول الله(ص) على الصبر والتصابر، إن احتجاجه على أهل السقيفة أخذ منحى إبطال التلفيق من الأدلة لإبعاد أهل البيت(عليهم السلام)، الخروج لمنازلة القوم هو أجاب(عليه السلام): «لا يعاب المرء بتأخير، انما يُعاب مَنْ أخذَ ما ليس له».
الكثير من الاحتجاجات قدّمها الامام علي(عليه السلام)، قضية امتناع أمير المؤمنين(عليه السلام) عن اللجوء الى السيف في حسم نزاعه مع القوم، حللوه بالقصور عن المنازلة بمفهومهم وهو قصور في النظر، يقول(عليه السلام) لأهل مصر: «أمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الاسلام، يدعون الى محق دين محمد(ص)».
إنّ المجتمع الاسلامي حديث عهد بالدين، وإنّ الحرب ستأتي على الاسلام من الجذور، لجأ الى المسالمة، وتخلى عن حقه، وسكوته لم يكن اقرارا أو اعترافا بشرعية الآخرين، وهناك رأي من العلماء يقول: إنّ الامام عليا(عليه السلام) لم يبايع اصلا، وانما رضي عن القوم بالكفّ عن المنازعة.
وطرحوا قضية تزويج امير المؤمنين ابنته من عمر سندا ومتنا ورد الخبر عن طريق الزبير بن بكار، وكان هذا الرجل يبغض امير المؤمنين، أكدت مجموعة كبيرة من المصادر الشيعية ومعتدلة أبناء العامة ان الخبر غير صحيح، لكن هناك رأي مهم قيل في هذه الحادثة أن أمّ كلثوم المقصودة بزواج عمر هي أم كلثوم بنت أسماء بنت عميس بنت أبي بكر ربيبة الامام علي(عليه السلام)، وفي أمر الخوارج وقتال امير المؤمنين، روت عائشة: «سمعت رسول الله (ص) يقول: هم شرّ الخلق والخليقة، ويقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم عند الله ورسوله».