إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محاورة مع الدكتور حسين التكمه جي:) سعدي عبد الكريم/ ناقد وسينارست

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محاورة مع الدكتور حسين التكمه جي:) سعدي عبد الكريم/ ناقد وسينارست


    إنّ تماثلات اشتغالاته الفنية في المسرح عديدة، وعيون منابعه الأخلاقية كثيرة، فقد تميَّز بالجديّة، والمواظبة الحثيثة في مواطن ابتكاراته، التي تستدعي أن نقف إزاءها بفيض من المحبة، ومفاتن الاكبار، ومعالم الدهشة.
    ربطتني به علاقة انسانية وفنية وطيدة منذ أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، لكن لقائي به هذه المرة يختلف باختلاف المهمة التحاوريّة التي قدمت من أجلها، التقيته في (صومعته) الاشتغالية في أحدى أزقة مدينة الكاظمية المقدسة المعتقة برائحة الرازقي العراقي، والمزدانة بعبق التاريخ، والمُشعَّة بالقدسية المهيبة.
    في هذه الزيارة المفاجأة التي جاءت بعد غياب لفترة ليست بالقصيرة، شعرت بسعادة غامرة، وتتجدّدت فيَّ الطاقة الايجابية والإقبال على اللحظة بزهو، ليسري في لواعجي الأمل، ورميت دوامة أثقال وهموم الحياة جانبا؛ لكي أواصل مهمة توزيع جهدي على مختبري الفني والمعرفي على شكل ملاحق اشتغالية مهمة إضافة لمهمتي النقديّة والمسرحية والشعريّة.
    عرفته متعدد المواهب، صبورا، هادئ الطباع، ليّن الجانب، متواضعا، مشروعا دائما للبذل والعطاء، ومن أجل الكشف عن مهمتي الجديدة فقد جالسته وأنا أخلع عني جلباب الناقد؛ لكي أتحوَّل الى مُحاور، ربما هي مهمة صعبة بقياس الاخوة والزمالة التي تربطني به، لكني سألجها من أبواب متعددة؛ لكي أمخر عباب هذا الرجل الذي تختبئ في داخله ابتسامة شفيفة، وفرح مؤجل، وحزن جميل، وألم دفين، وهدوء نبيل، لكنه حينما ينتقل إلى خشبة المسرح يتحوَّل إلى غول يجسد الشخصية بالكثير من المهارة الفنية العالية، وبالرجوع الى الذكريات الجليلة، قفز الى ذاكرتي عام(١٩٧٤)، عندما كتبت نصّ مسرحية اللافتة مع الصديق (علاء حسن) وأخرجها الدكتور (ثامر عبد الكريم)، وأُسند دور البطولة لي وله مناصفة، هكذا كانت تجاربنا غنية وراقية وفيها من المتعة والبهجة موارد فاخرة تستدعي استحضار منافع الفخر والدهشة والابتكار ورقي الصداقة وعنوان الزمالة وجمالية الاشتغال تحت كنف ذلك المنحوت السحري (المسرح).
    ضيفي باختصار، ايقونة فنية مشعَّة توزع جهدها الفني على العديد من المشاغل الفنية منذ بواكير شبابه المفعم بالحركة والنابذ للجمود، فهو خطاط ورسوم ونقاش ونحات، وأخيرا وبعد جهد مثابر استثنائي عبر فيه جلّ الصعاب والأزمات التي أحاطت به، واستطاع يُكلَّل جهده الدراسي النبيل بالحصول على شهادة الدكتوراه في فنّ المسرح من أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد، وبعد إحالته على التقاعد حاله حال العقول المنيرة التي أجبرت على التقاعد، رغم انها ما زالت تتمتع بطاقة تدريسية ناهضة.
    بعد أن رحبَ بي وعانقني رغم ظروف الكورورنا المقيتة، بادلته بذات الاحساس الاخوي النبيل، جلست وراح يغدق عليَّ بإفراطه الحاتمي الكبير، وقبل أن ارتشفَ الشاي صارحته ولن أخفي عليه شيئا، فقلت:
    (عيني ابو ارشد)، احبّبت أن ألعب معك دور المحاور هذه المرة بالنيابة عن هيئة تحرير مجلة صدى الروضتين، وكعادته استقبل مشروع المحاورة بامتنان كبير، وبرحابة صدر، وبابتسامة خجلة ارتسمت على محياه لتزيد ملامحه الهادئة ثقة، ولتعلن عن استعداده للإجابة عن أسئلتي.
    انه الأخ والصديق الجميل الدكتور (حسين التكمه جي) وسأحاول معكم استعراض مسيرته الفنية، ومن ثم لكي ألج إلى منافذ مداركه العقلية والحسية والجمالية؛ لكي أنتزع منه الإجابات عن ما يجول في ذاكرته الاشتغالية الفنية والمعرفية، ولا أخفيكم سرّا بأن جلستي هذه معه أرجعتني إلى صور الذكريات الجميلة التي مضى عليها قرابة الأربعين عاما ونيّف، سأستهل هذه المحاورة بالسؤال الأول:
    - حدثنا عن تجربتك الفنية منذ بواكيرها الأولى، ونحن نعترف بأنها كانت حافلة بالمنجز المسرحي الإبداعي، باعتبارنا من المجايلين والمزاملين لك فنيا في معظم هذه التجارب؟.
    تجربتي الفنية بدأت منذ نعومة أظفاري حينما عملت في المسرح في مدينة الكاظمية والحرية, ثم انتقلت للعمل في فرقة مركز شباب الكاظمية مع الدكتور ثامر عبد الكريم ورضا جابر والعديد ممن هم الآن في الساحة الفنية.
    اتسع عملي وصقلت مواهبي في الأداء والإخراج حينما مثلت الكثير من العروض المسرحية وأخرجت العديد للمسرح, قبلت بعدها في معهد الفنون الجميلة وكنت من المتميزين حتى تخرجت وقبلت في أكاديمية الفنون الجميلة مع أساتذة أكفاء مثل: سامي عبد الحميد، وإبراهيم جلال، وبدري حسون فريد، وجعفر السعدي، وبهنام ميخائيل، وعوني كرومي.
    وشاركت بالعديد من الأعمال، وقبلت في الدراسات العليا، وأصبحت تدريسيا بعد حصولي على الماجستير، ثم أنهيت الدكتوراه بتفوق حتى أصبحت أستاذا لمادة التمثيل والإخراج ودرست العديد من الدروس المهمة كعلم النفس وعلم الدلالة، وأشرفت على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه حتى حصلت على درجة الأستاذية .
    - هل يمكن للمسرح أن يكون الباث التحريضي في تنشيط وبناء الوعي الجمعي؟
    المسرح منذ الأزل باعث تحريضي وأداة احتجاجية وانعكاس لقضايا المجتمع, فضلًا عن كونه رسالة إعلامية وإنسانية واجتماعية, حيث أن العرض المسرحي يبث على مدى زمنه المئات من المعاني والدلالات والمواقف, خصوصا بعد ظهور نظرية المسرح الملحمي عند بسكاتور وبرشت, حينما تحول المسرح من مبدأ التعاطف الى مبدأ الفكر في تحريك الوعي الجمعي لدى المتلقي بتهديم القديم وبناء الجديد.
    - من الناحية العملية والفلسفية والجمالية كيف يمكن للمشتغل في المسرح ان يكون فاعلا في عملية تحريك الجامد السائد، ابتغاء الوصول إلى المُتحرّك الفاعل من خلال العرض المسرحي؟.
    - تعدّ القيمة الجمالية أحد أركان أي فلسفة مادية كانت أو مثالية أو واقعية, لذا فإن الفعل إمّا أن يحرك المشاعر أو يحرك الادراك الحسي والعقلي معا, فيتحول حينها الجامد من العرض الى متحرك فاعل يسمو نحو الذروة متآلف بقيمته الجمالية والفكرية والعاطفية معا, ذلك لكون المسرح يتطلع الى توكيد قيمتين أساسيتين هما: المتعة الحسية والفكرية معا؛ لإنتاج القيمة الجمالية وصولا لتأزم الفعل الدرامي نحو الحل حتى النهاية.
    - هل تتفق معي على أن المسرح العراقي يمرّ بفترة عصيبة يعتريها السبات، أو ربما الاحتضار، وهل ثمّة نوافذ مشعّة لإنقاذه بعد أن رفعت الحكومات يدها عن دعم وانتاج العروض المسرحية؟.
    اتفق معك من أن العرض المسرحي يمرّ بفترة حرجة من العطاء على مستوى النص والعرض والأداء, وبما أن المسرح هو الحياة يحتاج على الدوام البقاء حاضرا من خلال الدعم المادي والمعنوي والإعلامي من المؤسسات الثقافية والجهات الداعمة؛ ليحقق بدوره تأثيره الثقافي والنفسي والاجتماعي وحتى السياسي.
    إنّ ضعف الإمكانات سالفة الذكر أدى بالضرورة الى انحسار الحركة المسرحية بعد ما نقلت المسرح العراقي نحو الصدارة في العراق والوطن العربي على حدّ سواء. وقد شكل العراق حينها حضورا كبيرا لافتا للنظر في جميع المهرجانات المحلية والعربية، بل إنه قد حصد أكثر جوائز المهرجانات العربية بمخرجيه وممثليه وكتابه الذين حققوا تجاربهم وأساليبهم المستحدثة على مستوى خطاب النص والعرض.
    - من هو المسرحي من بين المسرحيين العراقيين الذي اثر في مسيرتك، وكان له الفضل في بلورة شخصيتك الفنية في بواكيرها ودفعك للاشتغال في المسرح ممثلا، حتى أصبحت عضوا في هيئة التَّدريس بأكاديمية الفنون الجميلة؟.
    لعل أول المشجعين والفاعلين والداعمين والمساهمين في تطوير قدراتي المهنية والعلمية على مستوى التمثيل والإخراج والتقنيات, وصولا للتدريس في كلية الفنون الجميلة هو الأستاذ الدكتور ثامر عبد الكريم, فهو المعلم الأول والمرشد والموجه منذ اعتلائي لخشبة المسرح حتى وصولي للتدريس في جامعة بغداد فهو أستاذ متمرس في مجال التأليف والإخراج والتمثيل والنقد والفلسفة, حينها لم يكن يبخل عليّ في كل شيء فكنت كما أنا الآن, له مني كل التقدير والعرفان بالجميل.
    - المسرح كما هو معروف مدرسة تعليمية، وتربوية، وأخلاقية، هل تعتقد بأن المسرح العراقي نجح في تجسيد هذه المعطيات والمعايير وتعميقها من خلال تأثيره المباشر على (المتلقي)؟.
    كما أشرت حضرتك فعلا أن المسرح أداة تعليمية واخلاقية وتربوية, وقد حقق المسرح العراقي في التعامل مع هذه الأساليب نجاحا في أكثر من مجال. كما هو الحال مع مسرح الطفل والمسرح العمالي والمسرح الفلاحي في توجهاته التعليمية والتربوية, فضلًا عن نتاجات المسرح العراقي في عروض المسرح الواقعي والمسرح البرشتي في مناقشة القضايا الفكرية والأخلاقية ونبذ القيم البالية وتوكيد القيم النبيلة بدلها, فالمسرح أداة تغيير وتوجيه يخاطب العقل والوجدان معا بما فيها العروض القديمة من الكوميديا المهذبة بوصفها أداة لاذعة للسخرية من الأفعال الهجينة .
    - بالرجوع الى مدارس المسرح ومذاهبه الفنية العديدة ثمّة من تعامل من المخرجين الغربيين والعرب مع الطقس الديني، والملاحم التاريخية واستلهامها في اعمال مسرحية مهمة على مستوى التأليف والإخراج.
    والسؤال هنا: هل نجح المسرح العراقي على مستوى النصّ والاخراج في اخضاع الملحمة الحسينية للمسرح باعتبارها ثورة كبرى على الظلم، وصوت صادح للحقيقة ضد الزيف، ومعترك فاعل في عملية التطهير والتغيير؟
    استلهام التراث والتاريخ واخضاعه للمعاصرة هو ديدن أكثر المسرحيين عرب وأجانب تحت مفهوم المسرح الطقسي, وقد شكلت واقعة الطف ظهور تيار مسرحي جديد هو(المسرح الحسيني), حينما اعتمد محاكاة طقس الطفوف فكريا وسياسيا واجتماعيا ومبدئيا واخلاقيا فضلًا عن الموقف التقديسي والعاطفي. فقد شكل بدوره معين لا ينضب من النصوص المسرحية والعروض الدينية في اخضاعها لروح العصر, ولعل تتويج هذا الاتجاه هو توافر نصوص درامية حصلت على جوائز عربية وعراقية كما هو الحال مع مسرحية (لو ترك القطا لنام) لسعدي عبد الكريم، وقدّمت في مصر والعراق والواح الطف ونصوص مسرحية أخرى حصلت على تقييم اللجان, وعروض مسرحية متعددة في المحافظات كما هو عرض مسرحية (على ضفاف الطف) لعلي الشيباني, وقد سبق ذلك نصوص مسرحية عربية مثل: (الحسين ثائرا)، و(الحسين شهيدا) لعبد الرحمن الشرقاوي في مصر .
    - الدهشة حسب أرسطو هي أصل الفلسفة ومنبعها الأول وهي ايضا مصدر الابتكار، هل تعتقد بأن عصر الدهشة والابتكار اندثر بعدما أعلنت ما بعد الحداثة انتحار الأيديولوجيات الكبرى، وموت المؤلف، واستبعاد اللوغوس، وتفكيك النصّ الى بنيات خاضعة لقراءات وتأويلات لا نهاية لها؟
    مسرح ما بعد الحداثة هو مسرح لا درامي, مسرح الفوضى في الأساليب, لذا فهو قد أقصى النص والابتكار وكذلك الدهشة, والدهشة هي أعلى مراتب الابداع والتألق, لذا همش الكثير من المفاهيم المعرفية التي جاء بها المسرح نحو موت المؤلف، واندحار الايدلوجيا، وتهشيم الصورة والمعنى والتأويل المتعدد للنصّ, لذا فإن عوامل الاكتشاف والاضافة والابتكار ما عادت موجودة، فمن أين تأتي الدهشة؟
    - منذ أوائل السبعينات تربطني بك وشائج صداقة حقيقية وزمالة في المسرح، وثمّة سؤال راودني بإلحاح وقد حان وقته: ما سرّ عدم تركيزك على نشاط فني بعينه، وهل تجد متعة في توزيع جهدك على مساحات واسعة من الاشتغالات الفنية، فأنت خطاط، ورسام، ومصمم، ونقاش، ونحات، وأستاذ فلسفة اخراج في أكاديمية الفنون الجميلة قبل إحالتك على التقاعد، ترى أي الفنون أقرب إليك وتجد فيها المتعة، وأنت في مشغلها المختبري لإنجاز عمل فني نبيل؟.
    إن السبع صنائع تجبرني أحيانا الى الانتقال من موهبة نحو أخرى بحسب رغبتي الشخصية ودوافعي الداخلية وسدّ فراغي, فأحيانا يجذبني الرسم أو النقش أو التصميم أو الخط العربي, وأحيانا أبحث عن مجالي الإبداعي في العمل الفني الذي أغلقت الأبواب برمتها في تحقيقه, غير أنّ المسرح أخذ جلّ وقتي في البحث والدراسات وإصدار الكتب فزكاة العلم نشره، فاتجهت نحو البحوث العلمية والدراسات العليا والمعرفة بصورة عامة.
    - السؤال الأخير وستكون خاتمته مِسْكا: ماذا يعني لك العراق؟.
    العراق دمعتي المستبطنة بين الجفون, تسقط على وجنتين بلا استئذان, العراق أمي وأبي وأبنائي وأهلي, صحتي وعافيتي، مرور اسمه بذاكرتي يفجر عبرتي, أسأل الله تعالى أن يحميه من كلّ سوء حتى يبقى متألقا فوق ذوائب النخيل .
    مانشيت
    التمثيل والإخراج المبكر، صقل مواهبي الفنية.
    معلمي الأول في المسرح الدكتور ثامر عبد الكريم.
    واقعة الطف شكلت تيارا مسرحيا جديدا هو(المسرح الحسيني)
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X