رغم تعدد المدارس النقدية والموجهات العاملة في زوايا التفكيك والوصف والتحليل...
ورغم وجود النقد التطبيقي الذي تجاهل التنظير وذهب الى المستوى اللفظي والتركيبي والدلالي
ورغم البحث الجاد في مفاهيم الادراك الجمالي والادراك اللغوي واستعمال مفهوم التأويل والعمل بجد في مساعي البعد الرمزي للكلام وظهور مذاهب بحثية كثيرة لكن لابد ان نعترف بان النقد ما استطاع ان ينهض بمهمته الحقيقية اتجاه الشعر الحسيني..
وهذه الشحة النقدية تعطي دلائل مهمة منها عدم امتلاكنا للناقد المتخصص وبالمقابل هناك ضيق رؤيا في الساحة الشعرية لايسمح لتحمل التعددية الرؤوية التي لو فسح المجال لها لاستطاعت صياغة رؤى واضحة الملامح وقد يكون احد أهم نقاط ضمور النقد هو انعدام النشاط الثقافي العام والارتكاز على معايير انطباعية أهترأت من كثرة الاستعمال ولم تكتسب دلالة ذات مواصفات ابداعية لعجزها عن فهم الاشتغالات الفكرية المتجددة دائما فلا يمكن ان نقرأ نص سبعيني برؤى نقدية سبعينية ونترك جانبا حركات نقدية ابتدعت حديثا ودراسات ونظريات ورؤى وما دمنا امام فيض شعري مبدع سيعطينا قابلية الاحتواء النقدي ضمن اي منهجية مستوردة او غير مستوردة وهذا ما يسمى بمرحلة البلوغ الحقيقي للاحتفاء بشعرنا علينا ان لانحدد الوسائل الفنية والفكرية في قيم قطعية وان لانحترم منهجا لايتفاعل مع الابداع وبهذا وحده نستطيع تخطي عتبة المقولات الجاهزة التي قتلت لنا الكثير من الابداع الحقيقي في زحمة الانطباعات الجامدة..
وهناك مسألة مهمة يجب الانتباه عليها فالشعر الذي له قابلية ان يدرس ويناقش بعد نصف قرن او يزيد من المؤكد انه يحمل مميزات عايشت رؤى خمسة اجيال شعرية او اكثر ولابد لهذا الشعر ان يحمل سمات فكرية وجمالية غفلنا عن الكثير منها لكوننا دائما ننظر الى التاريخ على اساس انه تاريخ دون ان نعي ان هناك جزء كبير من التاريخ لايموت لأنه امتلك امتدادات حيوية مهمة .. دعني اسأل اولا كيف سينظر ناقد يدرس قصائد كاظم المنظور بعد الف سنة وهو يرى امامه التاريخ ينبض حيا.. ومثل هذا التأمل سيأخذنا الى ان الشاعر المنظور استطاع ان يحتوي سمات التاريخ ضمن وعي مدرك عجز الزمن عن الغائها..فمهوم النقد لابد ان يتبلور بعيدا عن انفعالاته وعواطفه ليعيش نبض التجربة وحيويتها النقد مطالب الآن ان يلغي مراسيم التأبين ويعلن عن حياة كاظم المنظور من خلال فسحة الحرية لانبثاق الرؤية اتجاه فنية القصيدةفلسفتها رؤاها النفسية ملامحها الاجتماعية وبلاغة المفردة وحيويتها وخصائصها الفنية من خلال.. المعاصرة, اي اكتمال الشكل الفني الذي يستوعب ايجابيات الايمان ان يحول مسارات التاريخ اتجاه سلوك واقعي على حد تعبير بريخت
ابمحضر الزوار سجل عند ابو اليمه حضورك
من تزور اليوم كبره باجر بكبرك يزورك
*********
ومن خصائص الفنية الاهم هي الجمالية لكون الامتاع الفني هوشرط جوهري من صفات الشعرية والالسقطت في قعر الخطابية والنثرية القاتلة رغم التزامها بالبحور الشعرية ومثل هذا الامتاع لايأتي بقرار أو بدراسة..
وانما هو موهبة ربانية ولذلك استغرب تماما عندما يقال بان كاظم المنظور كان رجلا أميا ولاادري متى سندرك ان لاامية في الشعر ومعنى الجمال الحقيقي حين ينفتح على التأثير العام من قارئ لقارئ ومن جيل لجيل يرى أحد الفلاسفة النقاد (أن كل ما هو غير ممتمع ليس فنناً) ولنرى المتعة في أي مقطع شعريً عشوائي الانتقاء مثل
نور أبو اليمة تجله من سمة الشمس وضحاها
وزهر من مبدأ الدنيا ظل ينور لمنتهاها
نور للأفلاك زينة وزين الأرض وسماها
للهدايه... والولايه...للبرايه... نور آيه وانشرح صدر القراها
************
والمعنى المراد من هذا التشخيص أن الكثير من هذه التجليات لا تفرق من حيث استيعابها قيم جيل عن جيل أو طبقة اجتماعية من سواها فالناس تريد فناً حقيقياً تجسد مشاعرها يعبر عن همومها أحزانها والشاعر غير مطالب أبداً بشكل جاهز أو تفصيل معين فقد شخص النقد أن الناس وعبر هذه الأجيال كلها لم تكتمل لها أدوات فهم موحد وهذا ما يتيح للشاعر أن ينفتح على خصوصيته وأما في الشعر الحسيني وهناك توحد قبولي للتأريخ التي تستلهمه القصيدة ورغم هذا فالكثير من الشعراء ضاعوا في لجة التأريخية بسبب اندماج الناس بالمرجع التاريخي دون القصيدة نفسها أما كاظم منظور المطعون بكثير من التجاوزات العلنية من أغلب شعرائنا للأسف ورغم هذا وفق الشاعر في أن يقف بصف التأريخ وامتلك الجماهيرية التي صارت تدرك تماماً ما ألت إليه قصائد الشاعر التي شاء البعض أن يهدر دمها بين القبائل وبما ان الشاعر المنظور توسم عظمة التأريخ سيبقى خالداً معه ولعل اهم أسباب هذه السيرورة الجماهيرية أنه استطاع أن يرسخ عظمة شعور الولاء الحسيني
(أقرأ جزء عم تجد أبجد يدليك الرشد بالمدرسة الدينية)
************
ليس في الشعر الحسيني شاعر كالشاعر كاظم المنظور أثيرت حوله الأراء والنقاشات فلا غرابة أن يتنكر بعض متشاعري الحداثة من أبناء هذا الجيل الشعري لشاعرية المنظور وهم قلة و لله الحمد ولا يمكن لنا أن نجعل لهم اعتباراً وإما الأغلب الأعم فنجده يقف أجلالاً لعبقرية المنظور الشعرية ويرى انه ارتقى بالقصيدة الحسينية إلى مهام الابداع الشعري العام رغم أنه اعطى فرادة من تجربته الشعرية وتمثل بشعرية جيل كامل لما أفرزته التجربة من صلابة اجتماعية أغرت الكثير للأنتماء إلى مدرسة المنظور الكتابية حتى ظهرت أجيال شعرية تتبارى مع القصيدة المنظورية وبعد موت صاحبها بعقود زمنية لأنها امتلكت تراكيب لغوية باهرة
من نشغ طيبك خفض جنحه وتبعّد
الحبك عتكني وكال ما يحوج سؤالي
*************
فالشاعر المنظور ما يزال إلى اليوم مؤثراً وفاعلا في الاتجاهات الشعرية الحسينية وأصواته منسربةً في قصائد أجيال ولم تزل
فأنت تقرأ وتتأثر وتتفاعل دون أن تعرف تواريخ اصدار كل قصيدة أو نظمها ربما ستأسرك قصيدة قيلت في بداياته وأخرى من أواخر ما كتب... وحين لا تحس بفارق كبير هذا يعني هناك خرق ابداعي يتمحور في بنية قوية متماسكة ومحاولات جادة للمحافظة على رصانة شعره دون أن يقع في أي خلخلة.. ربما هذه نظرة عامة لم تقدر أن تدرك مدى تنامي التجربة لكنها أدركت قيمة الحفاظ عليها...
سار عقلي بسير فكري بالمعاني الغامضات
واكتطعت سهل الفيافي والجبال الراسيات
يالتناشدني شتدور دورت ماي الحياة
كربلة ماي الحياة كربلة تربة حسين الزاجية
************
فقد قدم الكثير من صور الوصف التي تعيش العالم الغيبي أو العالم الحضوري والولاء علامة من عوالم الشاعر الحسيني الفارقة والحسين هو الرئة التي يتنفس بها وعي الشاعر وبهي أراد المنظور أن يكون شعره جميلاً ممتعاً مزدهياً بفحوى المعتقد الإيماني.
هنا يالتزور حسين أجرك مذخور بالمعاد الراحة
بدار النعيم أو بيها كصرك معمور او تدخلها بصراحه
رضوان لو شاهد الصك الممهور يخفضلك جناحة
ابجاس الولاية يالتريد الجنة اشرب الخمرة الطاهرة المسجوبة
***********
فقد ربط المنظور العقل بالعاطفة والشعوري بالروحي المؤمن وهذا يوضح عمق التربية الحسينية التي نشأ عليها منذ الصبا ومعرفته الدقيقة بالتاريخ كان يصف أحداث التاريخ مشاهد رأها بعينه من كثر ما عايش الواقعة بروحه
تكابلت زينب وأخوه عالطفل تبدي الونين
هاك أخذ يحسين طفلك دخّنت منه العين
من أخذ منها الرضيع جلد بصبر الحسين
**************
والجميل في الأمر لن نرى يوماً ولم نسمع أحد يقول بأن الشاعر المنظور استعان بصوت غيره وهذا الشاعر الكبير الذي منح مجاميعه الشعرية صوته الخاص دون أن يكرر ذاتاً أ, يستعير ذاتاً في قصيدة واحدة من قصائده فهي مؤكداً تجربة المتلكت الكيثر من الوهج والإثارة
نزلت بشان أبو اليمة كهيعص
والجحد فضله جحيم أوهبهب أوبئس المهاد
***********
فلو تمعنا في هذا الخط التضادي لوجدنا الكثافة الاشعرية متوجه بصراع ضدين هنا خير وشر وهنا حسين ويزيد اندحار ونص وهذه الثنائية وهذا بما ارتكزت عليه شاعرية الحسينين
(الولائية)
الولائية التي تجاوزت التوصيف النظري أو الاستكانة أمام شكل معرفي بل تخطت على المحسوسات
مصور بتصوير قـدرة عرش الحسين انبـنه
ولاح يمين الجـــــلالة أعله البلاط وزينـــة
وجان كل مورد مـحمد يشهد بهالسلطنـــــة
وتشهد الآية بــــمحمد ما نطق عن الهــوه
زمام سلطنة الـــديانه بيد الحسين انطوت
***********
(اللازمانية)
حاول الشاعر المنظور عدم ارتكازة على سلسة زمانية لاكتمال السرد التاريخي وأنما استعان لمفردة افتراضية (جني) التي اسستطاع من يخلالها الغاء الحواجز الزمنية
افرح ودمعي يتفايض من أطبن حضرتك
فرحتي الغفران ذنبي والدموع لغربتك
جني بأرض الطف يمظلوم وأشاهد وكفتك
***********
(الموقف والمنهج)
يرى الشاعر الحسيني من القصيدة عمل مثاب مادام هو ينشر في خدمة أهل البيت فأجمل الأسماء لديه هو خادم أهل البيت وهذا يصلنا إلى غاية الشاعر المنظور الساعية لرسم قصيدته فحوا انتماء وان تصير القصيدة عنده موقف يعلوه الراءة من أعداء الحسين يريدها منهج واضحاً لا لبس فيه
لو ردت منهج بمعن النار يخلصك
ابعروة الوثقى اعتصم وتمسك
وطالع القرآن المجيد ايعلمك
العروة الولاية ومافاز غير التمسك بيها
***********
ومن هذا المنطلق تتكون حصيلة طبيعية لدينا في أن يكون كل شيء حسيني وكل شيء في الوجود له علاقة في الحسين والمطلق هنو الحب وهوية الشاعر المنظور ولايته والمعيار الحقيق هو مدىصدق الكاتب فيما يكتب:
يحسين يالذجرك بطرف لساني ولبة ضميــري
حاشاك لن يوم الوعد تنساني وعودك أميري
وأني اعتقادي بدفترك عنوان وأنت مجيــري
وناجح الصار بدفترك عنوانه يبن الزجيـــــة
************