تعدّ الزيارة عملية أساسية لا غنى عنها في إدامة المؤثر الثوري لنهضة الحسين (عليه السلام) وتفاعل جماهيرها خاصة في الوقت الذي أعدت الوسائط الاعلامية مؤثراتها لخلخلة الالتزام الإيماني عند الشباب، وخلق تشويش عالٍ عبر برمجيات متنوعة أثرت تأثيرا مباشرا على عقليات الشباب، لهذا يرى في مقدمته: إنّ زيارة الأربعين المباركة قادرة على إعادة إعمار الإنسان والأوطان، وتمتلك إمكانية ترسيخ ثقافة التسامح والتعاون والتعايش السلمي بين مختلف الشعوب.
ونجد أن زيارة الأربعين امتلكت وسائل روحية حققت وظائف مهمة داخل المجتمع من حيث التثقيف الروحي والمؤثر الروحي يأخذ أشكالا ايجابية حين تتحول الى حراك اجتماعي عام توحد النوايا لخدمة الحسين (عليه السلام)، وتوحد الأفكار والمعتقدات.
ومع هذا نحن مع الباحث في قضية وجود ندرة دراسية لا تتناسب مع المكانة الاعتبارية للحضارة وللمجتمع والانساني المسلم. ولأن الزيارة بهذا الحجم التأثيري بما تمتلك من معطيات ومن قدرة استقطابية مذهلة وتضم في وجودها العديد من الموضوعات الضرورية في حياة الانسان، وجود طاقة ايمانية تستوحي منها روح المشاركة وتنامي العلاقات الإنسانية، الباحث يرى ان الزيارة نجحت في تأسيس حزمة من النشاطات الجماهيرية وعززت الانتماءات لصالح عقيدة الولاء الحسيني وعكست مظاهر القوة المعنوية.
علينا أن ننظر الى أن الصراع بين المستورد بجميع نماذجه المؤثرة في عقلية الشباب ما هي إلا ثقافة استهلاكية تجعل الشباب نمطيا متجردا من القيم، لكن تأثيراتها سطحية لا تقاوم الأصالة الوجدانية التي تمتلكها زيارة الاربعين، ذات تأثير فاعل على السلوك الحياتي.
سعى الباحث محمد عبد الرضا الساعدي إلى البحث في الدلالات العقائدية مثل: قضية البراءة من الظالمين، بحث محور الاستعراض الجماهيري والسلوك الايثاري وموضوع العمل التطوعي وتأثيرات المشي على الصحة النفسية والعقلية، وخصص فصلا بالمعطيات التربوية والتعليم الإصلاحي لزيارة الأربعين صيانتها والحفاظ على طابعها العبادي.
لا أحد يستطيع أن يغفل الجوانب الايجابية التي تتضمنها الزيارات الصحيحة مثل: زيارة الغدير للإمام علي (عليه السلام)، وزيارة النصف من شعبان، ويوم عرفة للإمام الحسين (عليه السلام)، وجميع هذه الزيارات لا تصل الى مستوى الحضور العددي والنوعي لزيارة الأربعين.
زيارة الأربعين لها اتساع زمني ولها شعبية تأثير عالمي، أي تعدد ألوان المشاركين، ومشاركة غير المسلمين في أداء الممارسة مثل الصابئة والمسيحين وبعض الديانات الهندية والصينية، وليس كل من يشترك في أنشطة وممارسة زيارة الاربعين يمكن تصنيفه على الملتزمين دينيا او منطلقا من التزام ديني خالص، أو من أتباع مذهب معين، ظاهرة مدهشة لا يفهمها الا بلغة العشق الحسيني.
ظاهرة الزيارة الأربعينية تعمل على خلق المشاركة الفعلية العامة دون أن تفكر في اية مصلحة تترتب على اداء العمل، فهو يتحدى الخطر الحقيقي وتعطيل مصالحه الشخصية سوى عشقه الحسيني، وهذه ثقافة مجتمع انساني تعلق بقائد رحل عن الدنيا منذ قرون، وبقيت بهجة رسالته تستقطب هذه الناس، الى الحراك والابتكار والتطوير دون أن يخرج عن الضوابط الشرعية، ملايين من مختلف الأعمار يجتمعون في بقعة جغرافية كربلاء تستوعب هذا العدد وتبقى تحت الذوق المقبول، ثقافتها أسسها التضحية في سبيل القيم، ثقافة ربانية غير مصنعة ولا مستوردة، وإنما تنامت عبر الأجيال، ضمن ظاهرة البذل المعطاء والسخاء، ولهذا سعت الى توفير الالتقاء للناس لتأثيرها بالسلوك الانساني نشر ثقافة المظهر الخارجي من حيث لباس اهل الموكب، الأكل، السبيل، الانتماء الاخلاقي والمظهر الداخلي الذي يعتمد على الالتزام والنوايا والمظهرين يولدن القناعة والتأثير ويولد تأجيجا عاطفيا وتفاعلا لدى الزائرين والعاملين.
المناسبة هي أعظم الميادين التي تعمل على تأصيل الهوية الولائية على مستوى الافراد والجماعة، قدمت المواكب الحسينية وتكايا الخدمة درسا أليفا في معنى التضامن، وفهم حقيقة الافادة من معطياتها، والعمل على أن لا تتحول الممارسة الى طقوس ما به من دلالاتها. ومن اول الثوابت على القيم الأخلاقية هي البراءة من الظالمين.
قدم البحث إمكانية الزيارة ومعطياتها الوجدانية النابعة من الوعي والحرص بمصالح الأمة، وأكدت نصوص الزيارات على الدعاء من الله سبحانه تعالى أن يطابق القول مطابقا العمل، والمواجهة هي عملية استعراض جماهيري، رسالة تعزز الثقة والإيثار بـ(السلوك الغيري) وتنمية السمات الشخصية وتشجيع الناس على سلوك المساعدة.
وظاهرة زيارة الاربعين المباركة معامل اخلاقية ضخمة لإنتاج السلوك الايثاري، وقدم البحث دلالات الثقافة الاربعينية المؤثرة في الثقافة الجماهيرية للعقل الشبابي، فهو يقدم تلك الدلالات بتأن وشرح مفصل عن خدمة زوار الحسين وهم يفارقون الاهل والاصدقاء ويؤجلون اعمالهم ومنافعهم الخاصة دون المنفعة الشخصية سوى الدوافع الايمانية.
وركز البحث على مساعي الثقافة الجمعية وخلق عوامل التأثير الوجداني في روحية الزائرين ومشاهدة سلوكيات الايثار في الزيارة الاربعينية وصيانتها، والصيانة هنا تترتب عليها أمور عدة تبعد الترهل عن سوء استخدام، لأجل ان لا تفقد قيمتها، ويبقى تأثيرها حيا في الوجدان، والتمسك بأخلاقيات الزيارة، قال الامام الصادق (عليه السلام): «زر قبر الحسين وانت كئيب حزين فهو عليه السلام مات عطشانا».
وقيل للإمام الصادق (عليه السلام): إن قوما يزورن قبر الحسين يتطيبون للسفر، أجاب: «أما انهم لو زاروا قبور أمهاتهم وآبائهم ما فعلوا».
دراسة مساعي المواكب الحسينية والزيارات خاصة في الاربعينية واستخلاص التجربة الوطنية التي أهلت لنا شبابا لبّوا نداء المرجعية الشريفة بفتوى السيد السيستاني (أدام الله ظلّه الوارف)، بعدما شكلت داعش خطرا كبيرا واحتلت أجزاء من ارض العراق، وهددت بتهديم المراقد المقدسة، فكان الإرث الحسيني ثقافة عاشوراء وثقافة الزيارة الأربعينية بكل رموزها وشعاراتها وطقوسها ومعانيها التي ترسخت بوجدان الجمهور روح كربلاء توقدت فيهم، أغلب المتطوعين في الجبهات كانوا من أبناء المواكب الحسينية، وأسهمت المواكب الحسينية باحتضان النازحين، وفتحت لهم الحسينيات والمضايف المعدة لخدمة زوار الحسين.
وطالب البحث الحكومات بسنّ قوانين خاصة لحماية هذه الثقافة، لهذا يرى الباحث أن الحشد الشعبي هو حسيني الدوافع والمنطلقات، حاول الإعلام الغربي والسياسي المباع أساسا تفريغ الحشد الشعبي من مضامينه تارة يصفونهم ميليشيات، وتارة ثانية بالطائفية؛ نتيجة رفعهم شعارات كربلاء الثورية.
والعجب أن يُصنّف سيد الشهداء على مذهب، ورفضوا شعار (لبيك يا حسين)، والتسلح بعقيدة وثقافة كربلاء لها حوبتها، ويطالب الباحث المعنيين عدم التخلي عن شعارات كربلاء تحت ضغط الاعلام والسياسة.