قد يتعرض كل منا لموقف من المواقف في حياته، فتختلط لديه الأمور، وتتشتت الأفكار، وتضيع أصول الخيوط – إن صح التعبير - فيكون في متاهة بين أن يصدق ما يسمعه أو يراه وبين أن يكذبه.
ودون أن يشعر، يجد نفسه مرة مع أن يصدقه وفق مبررات ما، ومرة مع أن يكذبه وفق مبررات أخرى، فيا ترى لِمَ كل هذا؟ ولمَ لم يكن للصدق مكان الصدارة في حياتنا؟
فمن أخلاق المسلم الصدق الذي يعني مطابقة الخبر للواقع، وضده الكذب وهو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، والصدق من أعظم خصال الخير وهو من مكارم الأخلاق التي أمر بها الشرع وأكد عليها، فهو خلق رفيع يتمثله الأفاضل من الناس، ويتنكب عنه الأراذل، ولذلك كان وصفاً ملازماً للأنبياء والصالحين(عليهم السلام)، وضده ما كان ملازماً للمنافقين وأشباههم.
ومن أسباب وقوعنا أحياناً في متاهة بين الكذب والصدق هو كثرة مزاولة الكذب بين أوساط مجتمعنا، فبدأ بعضهم يستسيغ الكذبة دون أن يبالي بما تحدثه من أضرار، وما ينتج عنها من سوء فهم، وكما قيل: (لا مروءة لكذوب)، فإنَّ المروءة مصدر المرء كما أن الإنسانية مصدر الإنسان، وقال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)).
فالمسلم الصادق، يحب الصدق ويلتزمه ظاهراً وباطناً في أقواله وفي أفعاله، إذ الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، والجنة أسمى غايات المسلم، وأقصى أمانيه، والكذب وهو خلاف الصدق وضده يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والنار من شر ما يخافه المسلم ويتقيه، وقد ورد الكاذب في قوله تعالى: ((ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين))، وقوله عز وجل: ((قُلْ سِيرُوا فِي الأَرض ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِين)).
والآن علينا أن نعي ذلك ونضع حداً قدر المستطاع لمثل هكذا آفة؛ لأن خطرها بدأ يحصد الأخضر مع اليابس دون حساب لنهي الله ورسوله (ص) وتحذيرهم إيانا ولنردع الكاذب أينما حلّ، حتى لا يجد مفراً سوى إلى الصدق فيعتاد عليه، وكما قال الشاعر القطامي:
ودَعِ الكذوبَ فلا يكنْ لك صاحباً... إنَّ الكذوبَ لبئس خلٍّ يُصحبُ