من الدراسات الأكاديمية الرصينة ، موضع اهتمام وتقدير من قبل الباحثين والدارسين في مجال المسرح الحسيني والتي تعد مرجعا مهما في هذا التخصص، لشحة وندرة الدراسات في هذا التخصص ، والذي يتطلب الجرأة والصدق والأمانة العلمية في البحث والدراسة والطرح والتناول، التي اتسم بها الباحث الأكاديمي ( علي حسون المهنا ) في أطروحته الموسومة ( العرض المسرحي والشعائر الحسينية ( مقاربة انثروبولوجية ) ) والتي كان لي شرف مناقشتها في قسم الفنون المسرحية في كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل عام 2012، تقع الأطروحة في 461 صفحة مع ملاحق للصور .
اهتمت الدراسة بالخطاب الثقافي الإسلامي ، عنيت بالمقاربة الفكرية والثقافية والجمالية للعروض الشعائرية الحسينية المسماة ب ( التشابيه )، بوصفها رسالة انثروبولوجية تنطوي على مفاهيم وقيم تتعلق بالإيمان والشعور الديني والحق والعقيدة والأخلاق والإيثار والفداء والتضحية والوفاء ....
طرح الباحث في مشكلته تساؤلين وفق في الإجابة عليهما في تمفصلات الأطروحة هما :
1. ما الأنساق الانثروبولوجية على مستوى الشروط الداخلية لكل من العرض المسرحي والعروض الشعائرية ( التشابيه )؟.
2. ما المضمون الفكري وأنساقه الثقافية ، داخل الوظيفة العقائدية للتشابيه ؟.
فيما تنطلق أهمية الدراسة في تناولها ( التشابيه ) بوصفها ظاهرة تداولية قادرة على فرض أنساقها التواصلية ، فهي بنية فنية ( غنية الإيحاء والحدث ) تسمح لباحثيها الاقتراب منها والنهل من مضامينها وأفكارها المتعددة والخوض في مساربها بالدراسة والتحليل والتفسير والتأويل وعلى كافة الأصعدة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية و....فضلا عن مضامينها التربوية ، بنية ذات خصوصية رسخت بصماتها في الواقع الثقافي المسرحي بأشكال ومسميات منها ( التشابيه ، المسرح الحسيني ، عروض التعزية ،...).
توقف الباحث عند المتغير الرئيس في العنونة ( الشعائر الحسينية ) متناولا إياه ( اصطلاحا) بالرجوع إلى المصادر والمراجع الرصينة منها تعريف ( جواد علي كسار ) في مؤلفه ( الشعائر الحسينية ) الصادر عن مؤسسة الثقلين في بيروت 2001 على أنها " مجموعة من الممارسات والمراسيم الدينية لإحياء ذكرى الإمام الحسين ( عليه السلام ) التي ترسخت في الوعي العام للأمة ، تمثلت بجملة من المسارات ( الزيارة ، شعر الرثاء، المواكب ، مآتم العزاء ،....) لها امتداداتها التاريخية التي تخضع في شكلها الاجتماعي وتعابيرها الأدائية إلى إطار تشريعي يؤسس لمشروعيتها ويحث على ممارستها في أوساط المسلمين "
ومن الناحية الوظيفية ينظر ( الأستاذ الشيخ محمد السند ) إلى الشعائر الحسينية على أنها " مدارس يتعلم المسلم فيها نصرة الدين والإحساس بالمسؤولية الشرعية للحفاظ على رسالة الإسلام ، ويتلقى فيها صورة الجهاد ، ويتعرف على أشكال التضحية لنصرة القيم الفاضلة والمبادئ السامية للدين الحنيف ن ويعيش بكل تصميم وإرادة لترك الدنيا والتغلب على ملاذها وشهواتها المؤقتة ".
في التخصص المسرحي ، تطرق الباحث إلى الخطاب الشعائري الحسيني ( جماليات العرض ) ، مقاربة الخطاب الشعائري الحسيني ( التشابيه ) من حيث ( إشكالية المقاربة ، مفهوم التلاقي ، التشابيه المصطلح والدلالة ، بنية العرض الشعائري ( التشابيه ) ، إشكال العرض ، عناصر العرض الشعائري ، النص ، المخرج في المسرح المعاصر ، العلاقة مع النص ، جدلية العلاقة بين المخرج والممثل ، جدلية العلاقة بين المشبه ومدير التشابيه ، جدلية العلاقة الشعائرية ، فضاء الراوي المنشد ، التلقي ، انثروبولوجيا التلقي ، الإيهام والعرض الشعائري ، التشابيه والمسرح الملحمي ، زمن التشابيه ، الفضاء المسرحي ، سينوغرافيا العرض الشعائري ، مقابلات بين العرض المسرحي والعرض الشعائري ).. وصولا إلى النتائج المتوخاة من البحث ومن أهمها :
1. العروض الشعائرية الحسينية امتداد للعمق التاريخي الدرامي الذي كانت تتصف به العقلية العراقية وشعوب المنطقة بصفة عامة وحاجتها المستديمة إلى استعادة الحوادث التاريخية التي لها علاقة بمصير الإنسان وحياته .
2. النقد المسرحي همش دور العروض الشعائرية واهتم يشكل مركزي بالقراءة المحايثة للعرض المسرحي .
3. العروض الشعائرية ظاهرة جمالية مسرحية لها قوانينها وقواعدها الخاصة وهي ليست شكلا أوليا من أشكال المسرح ، بل ظاهرة تحمل بعض خصائص أو ملامح العرض المسرحي في المقاربة النقدية .
4. كلا الخطابين لهما مكونات وعناصر واحدة أو متشابهة من حيث العناوين ( الحدث ، النص ، المؤدي ، المتلقي ،.... ) ، ومع ذلك فان العرض الشعائري يعبر عن مفارقيته لأصول العروض المسرحية .
5. خطاب العرض وبناء الشخصيات لايتحقق في شفرة العرض بل هو هاجع في الذاكرة الجمعية للجمهور .
6. يتخذ العرض أشكالا مختلفة من الفضاءات ولكن ما يميز هذه الفضاءات تحولها إلى فضاءات مقدسة .