(
حين يمضي قطار العمر، وتتقدم بنا عجلة الحياة، نفاجأ باننا قد أضعنا الكثير من الفرص، والكثير مما لم نكتشفه لغيابنا الاختياري عن كل ما حولنا.
ونتساءل : لمَ لم نستطع البلوغ الى الهدف الفلاني؟ ولمَ تمادينا في الموقف الكذائي؟ ولمَ لم نحصل على تلك الترقية التي كنا نأملها منذ زمن بعيد؟ والكثير من التساؤلات التي تلح وتفرض نفسها على مخيلاتنا..
سيكون الجواب المنطقي بالتأكيد هو : لأنك لم تبذل قصارى جهدك لنيل المطالب، ولم تسع جاهدا لتذليل العقبات التي اعترضت طريقك حينها، ولم تتابع اهدافك بدقة، فكانت النتيجة هي ضياع الكثير من الفرص مما يولّد الغصة تلو الغصة ومن ثم الإحباط .. وهذا هو حال الكثيرين ممن لم يعثروا على اجابات حاسمة لوضعهم الحالي.
هذا على المستوى العملي.. اما على المستوى الاخلاقي، فاننا قد لا ننتبه الى مستوى الخسارة التي مُنينا بها جراء تغافلنا عن بناء صفاتنا، وتعديل سلوكياتنا وتصحيح مسالكنا الاخلاقية، والغريب اننا لا نجد بأسا في بقائنا على ذات السلوكيات المشينة، غير آبهين بضياع الفرص للتغيير، ولعلنا لم نحدّث أنفسنا بضرورة تكاملها، ولم نسعَ الى الأخذ بمكارم الاخلاق، ولم نبذل جهدا يُذكر لتعديل ما أعوجّ من ممارساتنا الرديئة، وكأننا لسنا معنيّين بالاستقامة، وغير مدعوّين لتغيير أنفسنا نحو الأفضل والأحسن.. يقول احد الكتّاب المعلّقين على حادثة انتشال الطفل المغربي ريّان من البئر الذي سقط فيه : يا ليتنا نبذلُ ولو معشارَ ما يُبذل من جهد لأنقاذ الطفل ريّان الواقع في بئر لأنتشال أخلاقنا السيّئة المتردّية في أكثر من حضيض !
البقاء في مكانك راوح، قاتل يختبأ خلف مئة قناع وقناع، لان البقاء بنفس المكان وعدم التقدم بخطوة الى الأمام، يعني إماتة الفرصة القادمة وضياعها الى غير رجعة، وفرص الخير تمر مرّ السحاب، وقد أُمرنا باغتنامها، والعض عليها بالنواجذ لئلا تهرب من بين أيادينا.
لعل البعض يتساءل فيما بينه وبين نفسه :هل بامكاني تغيير طباعي التي درجتُ عليها منذ نعومة اظفاري؟ وهل امتلك الجسارة والجرأة لتغيير نمط صفاتي التي رسمت ملامح شخصيتي؟ وهل بمقدوري التفكير بإحداث قفزة نوعية في مسيرتي الاخلاقية ياترى؟ وهل بقي لي من العمر ما يمكنّني القيام بمناورة ذكية للتخلص من آفة رديئة لطالما أشتكيتُ منها
ومن مساوئها؟
لا شك أن الكثير من الطباع التي يتميز بها الإنسان تأتي من خلال الاكتساب والتعلّم، وبما أن الشيء المكتسب يمكن بسهولة أن يُفقد او يُستبدل، وبناء على هذا المبدأ يمكن لكل منا أن يغيّر من طباعه ومن صفاته، وفي ذات الوقت يسعى لتقوية وتأصيل الصفات الحميدة.
لقد خلق الله سبحانه الدنيا بثنائية عجيبة، وكل شيء هناك ما يقابله بالضد منه، والانسان أعطي البصيرة كي يتمكن من خلالها معرفة الحق من الباطل والخير من الشر (بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره).
ولأن النيّة تسبق العمل، ليس أمامنا سوى ان ننوي أولا ثم نبدأ التغيير لاحقا، وليبدأ التغيير بخطوات بسيطة
ففي زمـنٍ يتلاطم فيه المجتمع الإنساني مع أقسى فواجع التوحُّش، وتنهارُ قيَـمُ الذات حيث التنابذ والتباغض والتقاتل، وحيث الظلم والعنف والقهر والنفاق والكذب والتحايل، ما أحوجنا لمكارم الاخلاق، وما اشدّ حسرتنا ان ضيّعنا بوصلتنا نحو التغيير.
فلنبحر سوية نحو ساحل مكارم الاخلاق.. ولنكن ممن ينوون الخير ما استطعنا لذلك سبيلا.
أعجبني
تعليق
مشاركة