المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لحياة العظماء مواقف أثرت البشرية بدساتيرها ونظمها المتعددة، حتى كأن التاريخ اختزلَ خُطاه على شفاههم، فكيف بسلالة لا تنطق عن الهوى، توارثوا العلوم من وحي يُوحى، من ربِّ العزة والجلالة، فكان لنا أن نخوض في عباب هذا البحر الزاخر لمولانا الإمام الهمام الصادق عليه السلام:
روي عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم، قال: لا تقس، فان أول من قاس إبليس حين قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص/76] فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار، عرف فضل ما بين النورين، وصفاء أحدهما على الاخر.
وروى محمد بن طلحة عن سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء وكساء خز، فجعلت أنظر إليه تعجبا فقال لي: يا ثوري مالك تنظر إلينا؟ لعلك تعجب مما ترى؟ فقلت: يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك..!. قال: يا ثوري كان ذلك زمان إقتار وافتقار، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وافتقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شيء عزاليه، ثم حسر ردن جبته، فإذا تحتها جبة صوف بيضاء، يقصر الذيل عن الذيل، والردن عن الردن، وقال: يا ثوري لبسنا هذا لله تعالى وهذا لكم، وما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه.
وقد روى الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا باسناده عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبيه، عن الحسن بن الفضل، عن الرضا، عن أبيه صلوات الله عليهما قال: أرسل أبو جعفر الدوانيقي إلى جعفر بن محمد عليهما السلام ليقتله، وطرح له سيفا ونطعا وقال: يا ربيع إذا أنا كلمته ثم ضربت بإحدى يدي على الاخرى، فاضرب عنقه، فلما دخل جعفر بن محمد عليهما السلام ونظر إليه من بعيد، تحرك أبو جعفر على فراشه قال: مرحبا وأهلا بك يا أبا عبد الله، ما أرسلنا إليك إلا رجاء أن نقضي دينك، ونقضي ذمامك، ثم ساءله مسألة لطيفة عن أهل بيته، وقال: قد قضى الله حاجتك ودينك، وأخرج جائزتك، يا ربيع لا تمضين ثلاثة حتى يرجع جعفر إلى أهله، فلما خرج قال له الربيع: يا أبا عبد الله رأيت السيف؟ إنما كان وضع لك، والنطع، فأي شيء رأيتك تحرك به شفتيك؟ قال جعفر بن محمد عليه السلام: نعم يا ربيع، لما رأيت الشر في وجهه، قلت: "حسبي الرب من المربوبين، وحسبي الخالق من المخلوقين، وحسبي الرازق من المرزوقين، وحسبي الله رب العالمين حسبي من هو حسبي، حسبي من لم يزل حسبي، حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم".
فأقبل المنصور على جعفر عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله حديث حدثتنيه في صلة الرحم اذكره يسمعه المهدي قال: نعم، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الرجلَ ليصل رحمه، وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله (عز وجل) ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاث سنين، ثم تلا عليه السلام: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد/39] قال: هذا حسن يا أبا عبد الله وليس إياه أردت، قال أبو عبد الله: نعم حدثني أبي، عن أبيه، عن جده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: صلة الرحم تعمر الديار، وتزيد في الاعمار وإن كان أهلها غير أخيار، قال: هذا حسن يا أبا عبد الله وليس هذا أردت، فقال أبو عبد الله: نعم حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء، قال المنصور: نعم هذا أردت.
وعن البرقي، عن أبيه، عمن ذكره، عن الربيع صاحب المنصور قال: قال المنصور يوما لأبي عبد الله عليه السلام وقد وقع على المنصور ذباب فذبه عنه، ثم وقع عليه فذبه عنه، ثم وقع عليه فذبه عنه، فقال: يا أبا عبد الله لأي شيء خلق الله عزوجل الذباب؟ قال: ليذل به الجبارين.
وعن علي بن ميسر قال: لما قدم أبو عبد الله عليه السلام على أبي جعفر، أقام أبو جعفر مولى له على رأسه وقال له: إذا دخل علي فاضرب عنقه، فلما ادخل أبو عبد الله عليه السلام نظر إلى أبي جعفر، وأسر شيئا بينه وبين نفسه لا يدري ما هو، ثم أظهر "يا من يكفي خلقه كلهم، ولا يكفيه أحد، اكفني شر عبد الله بن علي" فصار أبو جعفر لا يبصر مولاه وصار مولاه لا يبصره قال: فقال أبو جعفر يا جعفر بن محمد قد أتعبتك في هذا الحر فانصرف، فخرج أبو عبد الله عليه السلام من عنده، فقال أبو جعفر لمولاه: ما منعك أن تفعل ما أمرتك به؟ ! فقال: لا والله ما أبصرته، ولقد جاء شيء حال بيني وبينه، فقال أبو جعفر: والله لئن حدثت بهذا الحديث لأقتلنك.