المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من بين اخطر الافكار التي يعمل اعداء الدين والمذهب على الترويج لها وضخها وبقوة بين صفوف الشباب، الذين باتت ارواحهم كأقنية فارغة يمكن ملؤها بأي شيء! هي فكرة عدم وجوب التقليد!
والسبب عائد لضعف الاقبال على القراءة، او قراءة ما يفتقر للوثاقة والمصداقية؛ فكنت اسمع من هنا وهناك عبارات مفادها ان التقليد مسألة مستحدثة وانها لم تكن متعارف عليها في زمن الائمة عليهم السلام.
او انه ينحصر بالاميين الذين لايحسنون قراءة القران الكريم وتدبر اياته.
والعبارة الاخطر هي ان التقليد معصية فهو اشبه مايكون بالعبادة والعياذ بالله لانه انصياع كامل لتنفيذ ارادة الغير في سائر مفصليات حياتك العبادية والمعاملاتية!
والحال ان مسألة التقليد هي مسألة عقلائية من حيث انها تلزم غير المختص بالرجوع الى المختص وبكل بساطة! فانا، مثلا، غير مختصة بالطب ارجع الى المختص لعلاج مرضي وهو الطبيب، وانا غير مختصة بتصليح الاجهزة الكهربائية فارجع الى المختص في هذا المجال... وهكذا
فلم يكون ديننا اهون علينا من سائر امور دنيانا، وهو الصاحب بعد الموت وما عداه يفنى!
سألت المتشدقين بهذه العبارات عن سيرة امام معصوم كان رائدا في إعداد المجتمع لفكرة التقليد وهو الامام ابو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، فلم يرد في جوابهم مايسمن او يغني من جوع سوى بضع لقيمات يلوكها اصحاب المنابر بين الفينة والاخرى عن ولادته ونسبه والقابه وانه قتل مسموما مظلوما..... الخ
نعم من المهم معرفة سيرة الامام وحقيقة انتسابه للدوحة المحمدية العلوية العطرة وقراءة ماعاناه من الظلم والجور من دون ذنب، ولكن من الظلم ان نقف عند حد معين ونكتفي، فالامام حجة الله في ارضه وكل مايتصل بالمطلق يصبح مطلقا نسبيا.
احد الخطباء جزاه الله كل خير وكثر من امثاله تحدث عن دور الامام في إعداد الوكلاء وتهيئة المجتمع لغيبة امامهم تدريجيا، فالمجتمع الشيعي متعلق بأمامه ويكاد لا يأتي بحركة الا باذن الامام فكيف يستوعب فكرة غيابه وانقطاع اخباره عنهم. فعمل الامام العسكري عليه السلام على تاسيس شبكة متصلة من الوكلاء الذين استوطنوا في المجتمهات الشيعية وصاروا حلقة وصل بين المجتمع وامامهم وهم خيرة أصحاب الإمام العسكري وتلاميذه
"ذكر الشيخ الطوسي أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في رجاله وهم ثلاثة وتسعون شخصاً، منهم من أدرك الإمام الرضا والأئمة من بعده، ومنهم من أدرك الإمام الجواد وابنه علي الهادي، ومنهم من أدرك أباه الإمام الهادي عليه السّلام فقط، وتشرف بعضهم بالوكالة من الإمام الحجة بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه الشريف." ١
وكانت التوقيعات الشريفة تصدر عن الامام بختمه ويدل عليه التوقيع الشريف لاسحاق بن يعقوب المتضمن لأكثر من ثلاثين سؤالاً، من جملتها جوابه على سؤال حول من الذي يُرجع إليه في الحوادث الواقعة.
(فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه) ٢
وانطلاقا من هذا الرواية يمكن القول أنه سلام الله عليه قد اسس ايضا للغيبة الكبرى بتحديد معالم المرجعية الدينية التي يصار إليها لمعرفة الاحكام الشرعية.
تدريجيا بدا المجتمع يعتاد فكرة الغياب والحصول على أجوبة مسائلهم من الوكيل الذي يعينه الامام.
وهو ذات الاسلوب الذي اعتمده الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الغيبة الصغرى.
خلال ست سنوات وهي مدة امامته لم يدخر الامام العسكري وسعا في سبيل تهيئة القواعد الشعبية وتدريبها على استمرارية الارتباط بمنظومة القيادة الالهية ولو عبر الوكلاء والنواب، لحفظ المجتمع من الضياع والتخبط على غير هدى، مؤكدا على اهمية معرفة امام الزمان "من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية" وهو منهج متصل ابتداءا من رسول الله صل الله عليه واله وصولا للامام الحسن العسكري عليه السلام الذي بقي منتظما في مدار الامامة مؤديا دوره على اكمل وجه، اذ كان شمس عصره ومن سنا نوره تلتمع نجوم اصحابه علما وهدى الى يومنا هذا.
في الحديث عن أبي علي بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمري يقول: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه الى يوم القيامة، وان من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال عليه السلام: إن هذا حق كما أن النهار حق. فقيل له: يابن رسول الله، فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد هو الامام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية)٣.
1-قادتنا كيف نعرفهم، ج٤،للسيد علي الحسيني الميلاني
2-الاحتجاج للطبرسي، ج٢،ص263
3-كمال الدين وتمام النعمة: ج2، ص409.