المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لماتوسدت جراحه كثيب الرمال، وحجبنوره سيل الدماء، خرجتاخته من الخباء تشق الصفوف بخطاها، وقبل هذا اليوم كان لا أحدرآها، كسفت الشمس لكي لايلمح خيال زينب (عليها السلام) وتوقف النسيم عن مروره خشية أن يلامس أطراف الحجاب المرتب، مشت نحوالذبيحوخلف صبرها قلبٌ جريح، تحبس الدموع في مقلتيها؛ كي تريقها حين تنام العيون؛ لكيلايرى ايتامها دموع الفقد والفراق، ولدمعها دموعهمتراق،خطوات قسمت الجيش إلىنصفين لهيبة الخيال القادم، طأطأ إلى الأرض، وكأن السيف على رأسه قائم،ثم تنحى جانباً مذهول بصلابتها، وهي تخرج إلى اجساد احبتها وبين الشاك بأنها هي زينب أم غيرها وبين هذا وذاك، لاحقتها عيون الأعداء تترقب ماذا تفعل لووصلت إلى الجسدالمسلوب،هل تشق جيبها ام تلطمخدها..؟!
ولكن الحوراء قطعت افكارهم وأخذت بأنظارهم لما دنت من جسداخيها، انحنت عليه، حملته نحوالسماء، ويداها مخضبتان بالدماء، ورفعت رأسها إلى الاعلى وهي تقول: (اللهم تقبل منا هذا القربان)، ثم خاطبت خاتم الأنبياء (ص): جداه هذا حسينيك بالعراء، مسلوب العمامة والرداء.. وكأنها تخبرالرسول (ص) بما جرى؛ لكي يقيم على سبطه العزاء وتبث اليه الشكوى.
ثم وضعته حيث كان، وبعدنظرة الوداع رجعتمسرعة إلى الخيام، عملاً بوصية أخيها فبعدما كانت مكفولة اصبحت كفيلة بالأيتام، أتى بها الصبرعلى جناحيه وهويهمس في اذنيها، حديث ليلة العاشر: أخية، لاتشمتي الأعداء بي، ولا يذهب بحلمك الشيطان.. فحفظ العيال يحتم عليها ترك كل شيء،حتى وان كان جسد أخيها العريان من دون ان تمسح التراب والدم عن جراحه النازفه، ولم تجلس عنده طويلاً لكي تذرف دموع العاطفة؛ لأن الخدرالهاشمي يحتم عليهادخول المخيم، ولا جدوى من البقاء فهوعندالغيور أعظم من مصرع الأكبر، وان هوى خدرها بعده، ولكنه لم ينحر، هوى لما سُلب قرط رقية، وهوى مرة اخرى لسياط آل امية حينما رمت سكينة بنفسها على جسدأبيها، ولا احد يحميهامن الضرب سوى عباءة العقيلة التي تضم بين حناياها قلباً جريحاً وجفناً من البكاء لم يسترح، يكفكف دمع الصغار وفي مقلتهالدمع انهار، يريقه في سواد الليلأمام ذلك الرمح الطويل، حيث الشيب يقطر دماء والعين تمطربالبكاء.
ملامح متعبة بنظراتها نادبةحسين...ياحسين..ليت يديّ تمتدان لتمسحالتراب عنك، ليتها تستطيع أن تقترب منك،لكي أضمك إلى صدري..أخي، هل تدري.. الليل بسواده يخيم على أشجانيفلم اهجع، وبالنهار تراني جبل صبرلم يصدع.
انا يا أباعبداللهلم أجزع، فبعين الله كان قطع نحرك وسبانامارأيناه إلاجميلاً، انا وابنك العليلفي قصرالإمارةتلاحقنا الأنظار من كل جانب انهم أسارى... ولكن من تكونهذه التي وبّخت يزيدا، سؤال قدح بالأذهانوانشغل به الحضور، إنها نطقت بالذات الإلهية،فهي ليست بخارجية، وبنظرة من الرأس القطيع نحوالملاك المحجب، عرفوا حينها انها الحوراء زينب (عليها السلام).