المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لم تكُ مفردةُ الحجاب شيئًا غريبًا على مسامع المرأة، فقد كان موجودًا منذ العصور القديمة ولازال حتى يومنا الحالي، ولم يتغير في موضوع الحجاب ربما سوى شكله، وكيفية ارتدائه...
في عصر الجاهلية كانت ملابس المرأة عبارة عن ثوب طويل فضفاض، بالإضافة إلى قطعةٍ من القماش أو ما شابه تغطّي بها شعرها، وغطاء الشعر هذا يكون على شكلين، أحدهما ستر الرأس والشعر فقط، ثم ترمي بأطرافه إلى الوراء بحيث يكون قرص الوجه والرقبة ظاهرين، وأما الآخر فهو كالأول، يُغطي الرأس والشعر ولكن يختلف عنه بأن تأخذ المرأة بطرفي الغطاء فترمي طرفًا إلى جهة اليمين، والآخر إلى جهة اليسار، ويبقى قرص الوجه بالكامل مع الرقبة وأعلى منطقة الصدر مكشوفًا للناظر. ولم تكن المرأة تكشف عن شعرها إلا في حال العزاء كما جرت عليه العادة في ذلك الوقت، ولذا عبّر الشاعر الجاهلي المهلهل بن ربيعة عن أسفه، إلى ما آلت إليه العشيرة أبان حرب البسوس من خروج المرأة حاسرة الرأس، وهذا ما أثار غيرته حيث قال مُتألمًا:
كُنا نغار على العواتق أنْ تُرى...بالأمس خارجة عن الأوطانِ
فخرجن حين ذوى كليب حسرًا... مُستنقعات بعــده بهـوانِ
يخمشن من أدم الوجوه حواسرًا... من بعده وبعدن بالأزمـانِ
وقد تعصب المرأة رأسها تعبيرًا عن الحزن على فقيدها، وتترك الحُلي خلال فترة الحداد، وأما في غيرها فتُعدُ من الأشياء المُهمة لديها وبالخصوص عند الحرائر دون الإماء ومن لوازم التحلّي ولواحقه كالتزيُّن والتبرج أمام أنظار الرجال كوضع الطيب والاختضاب بالحناء والوشم والتكحل.
واستمرت المرأة على هذا الزي وإظهار الزينة حتى أشرقت شمس الإسلام وشُرِّعت للناس الأحكام، ومن بينها حكم وجوب الحجاب في آيتين مباركتين، قال الله (تعالى) في إحداهما: (يا أيها النبي قل لأزواجك ،وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن) (الأحزاب59)، و(الجلابيب): جمع جلباب، والجلباب له عدة معانٍ عند المفسرين وأرباب اللغة، فمنهم من فسّره بالقميص الفضفاض الواسع، ومنهم من قال هو قماش أطول من الخمار يُغطي الرأس والرقبة والصدر، وعلى أيٍّ من التفسيرين، فإنَّ مما يمكن استفادته من هذه الآية، هو الأمر بإدنائه على الصدر ليستره بحيث لا يظهر منه شيء.
وأما الآية الثانية ففي قوله (عزَّ من قائل): (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) (النور 311)، والخُمر: جمع خمار، وهو ثوبٌ تُغطي المرأة به رأسها، فيكون المقصود من قوله (تعالى): (وليضربن بخمرهن)، أيّ ليُلقينَ بما زاد من غطاء الرأس على صدورهن حتى يسترن به آذانهن وصدورهن.
ثم إنَّ الإسلام لم يكتفِ بالأمر بالحجاب فقط، بل وضع له شروطًا تُميّزه عن غيره، فيما ورد على لسان نبيّه الكريم وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ من أجل حفظ كرامة المرأة وحفظها من الوقوع بالحرام سواء كانت في بيتها أو خارجه فيما لو اختلطت مع الرجال؛ لأداء وظائفها الملقاة عليها فيما يناسب شأنها. وأهم هذه الشروط هي:
(1) أنْ لا يكون الحجاب زينةً في نفسه ومُلفتًا للنظر.
(2) أنْ لا يكون شفافًا يحكي ما تحته.
(3) أنْ لا يكون ضيقًا يُبرز مفاتن المرأة.
(4) أنْ لا يكون من لباس الشهرة.
ولكن مما يؤسف له نرى في وقتنا الحالي غياب الحجاب الشرعي، وعودة الحجاب الجاهلي مرةً أخرى عند بعض النساء، ولكن تحت أسماءٍ غريبة، ولمساتٍ حديثة، كارتدائه بطريقةٍ يُشكل زخارفَ جميلة، وبألوانٍ براقة تُضفي عليه لمعان الموضة الجديدة، وتجعل الإقبال عليه أكثر من ذي قبل، وكأنّه في حقيقته ليس إلا ذلك الحجاب الجاهلي القديم، حيث يجذبُ الأنظارَ من بعيد بريقُ الأقراطِ المُتدلية من تحته، أو لون القلادة التي تبدو من بين أطرافه، وليته يقفُ عند هذا الحد! بل راح يضيق ليبرز مفاتن المرأة ثم ازداد زينةً يومًا بعد يوم، حتى أصبح مفهوم الماضي ومصداق الحاضر، وابتعد عن معناه اللغوي المتمثل بالستر الشرعي الذي تقدّمت شروطه.
ثم إنه ينقسم الحجاب الشرعي إلى قسمين: الحجاب الظاهري: وهو الذي أوجبه الله (تعالى) على المرأة للالتزام به كساترٍ لجسدها عن الرجال عدا الزوج والمحارم.
والحجاب الباطني: وهو ما أمر الله (تعالى) به الرجل والمرأة على حدٍ سواء فيما يتعلق بسلوكهم من الحياء والعفة؛ لحجبهم عن الفساد والرذيلة، وما يؤدي إلى سخط الباري (تعالى)، ولابُدَّ أن تلتزم المرأة بكلا القسمين من الحجاب ليكون حجابها حجابًا كاملًا شرعيًا لا ناقصًا جاهليًا؛ لأن أحدهما يكمل الاَخر...
بقلم: إيمان صاحب