إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مقالات نشرة الخميس 893 (أخلاقيات الحرب عند الإمام علي (عليه السلام)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مقالات نشرة الخميس 893 (أخلاقيات الحرب عند الإمام علي (عليه السلام)

    فايز شكر
    إنّ الإنسانيةَ عِبر تاريخها لم تُعدم وجود حكَّام شرفاء أبرار -وإن كانوا قلَّة- عاشوا الفضيلة والشرف في كل لحظة من لحظات حياتهم، وكتبوا بأحرف من نور أروع المُثل في حروبهم التي قلَّما كانت حروباً هجومية..
    من هؤلاء: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي عاش حياة مظلومة، قضاها في درء العدوان ودفع الفتن، ومع ذلك اتبع سياسة رصينة ثابتة، فلم يغدر ولم يفجر، بل كان يبتغي من محاربة خصومه وأعدائه إنقاذ المغرَّر بهم من الضلالة، وتثبيت قواعد دولته وإعادة الأمور والحق إلى النصاب الطبيعي.
    إذ قال (عليه السلام): «فَوَاللّـهِ، مَا دَفَعْتُ الحَرْبَ يَوْماً إِلّا وأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ، فَتَهْتَدِيَ بِي وتَعْشُوَ إِلَى ضَوْئِي، وذَلِكَ أَحَبُّ إِلَـيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِـهَا وإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا» [1]
    ، فقد كان في حروبه كلها يكره أن يكون البادئ بالحرب، بل كان يبادر إلى وعظ عدوه وخصمه وإرشاده؛ مُلقياً الحجة، ومبيّناً له فداحة النتائج، حتى لا يتذرَّع أحدٌ بعد وقوع الواقعة بأنَّنا لو كنا نعلم ﴿
    أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ[2].
    ولا يخفى ما في مخاطبة هؤلاء من صعوبة؛ حيث الجهل المطبق والضلال المبين، خصوصاً في مثل تلك الظروف؛ حيث قال (عليه السلام) في جملة ما أوصى به معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام: «فَإِذَا لَقِيتَ العَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً، ولا تَدْنُ مِنَ القَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الحَرْبَ، ولا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ البَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي، ولا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ والإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ» [3]
    وقال (عليه السلام) مخاطباً جنده قبل لقاء العدو في صِفِّين: «لا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ بِحَمْدِ اللّـهِ عَلَى حُجَّةٍ، وتَرْكُكُمْ إِيَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَى لَكُمْ عَلَيْهِمْ»[4].
    ويذكر أربابُ التاريخ أنَّ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) عندما خرج لمحاربة معاوية في صِفِّين، وكان جند معاوية قد غلبوا جند الإمام إلى شريعة الفرات؛ بغية منع الماء عنهم حتى يموتوا عطشاً، رفض الإمام (عليه السلام) أن يعامل العدو بالمثل، بعدما أزاحه عن شريعة الماء مع قدرته على ذلك.
    وهكذا لم يكن الإمامُ (عليه السلام) عدوانياً في أي معركة من معاركه؛ لأنَّه كان واثقاً من نفسه أنَّه على الحق ويقاتل من أجله، ولذلك كان يتقدَّم نحو خصمه بقَدم ثابتة وبرباطة جأش، لا يأبه معها للجيوش المتجمهرة التي تريد النيل منه، والتي لا تجد حرجاً في منع الماء عنه وعن جنده، وتتَّبع سياسة الغدر والخداع، وتستفيد من الممارسات المشينة؛ كملاحقة الأسرى والمدنيين والمدبرين من المعركة وإيذاء الجرحى.
    وكانت الجيوش تلجأ إلى مثل تلك الأمور عند الإحساس بالهزيمة، أو بقصد إدخال الرعب والقلق النفسي في قلوب المقاتلين؛ للسيطرة على أرض المعركة عند بدئها.
    ولم تقتصر الجرائم من قبل الأعداء على المجروحين والأسرى، بل كانت تتعدَّى إلى النساء والأطفال والشيوخ؛ إمعاناً في الثأر للهزيمة وإسقاطاً للمعنويات، مع العلم أنَّ النساء ليس عليهنّ جُناح حتى ولو سَبَبْنَ واعتدين، فلا يصح الرد عليهنّ، فضلاً عن المبادرة إلى إيذائهن وتعذيبهنّ.
    وإلى هذا أشار الإمام (عليه السلام) في الوصية الرابعة عشر، حيث قال: «ولا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ؛ فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ القُوَى والأَنْفُسِ والعُقُولِ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالكَفِّ عَنْهُنَّ وإِنَّهُنَّ لَـمُشْرِكَاتٌ، وإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ المَرْأَةَ فِي الجَاهِلِيَّةِ بِالفَهْرِ أَوِ الهِرَاوَةِ، فَيُعَيَّرُ بِهَا وعَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ»[5].
    ولم يكن عموم المدنيِّين البعيدين عن ساحة الحرب والنزال، بمعزلٍ عن نتائج الحرب المروعة، بل كانت بعض الجيوش تصب جام غضبها ونقمتها عليهم لفقدها بعض المواقع، أو لمقتل قائد من قوادها، أو لخسارتها الحرب، وكأنَّ الناس عليهم أن يدفعوا الضريبة رغم بُعدهم عن ساحة الحرب.
    وقد لفت أميرُ المؤمنين (عليه السلام) نظرَ أصحابه وأهل بيته إلى خطورة هذا الأمر، وحذّرهم من الوقوع فيه؛ لأنَّ فيه إغضاباً لله تعالى، وذلك عندما أُلقي القبض على عبد الرحمن بن ملجم بعد أن ضرب الإمام (عليه السلام) في محرابه، حيث قال (عليه السلام): «يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، لا ألفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ خَوْضاً، تَقُولُونَ: قُتِلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ. أَلا لا تَقْتُلُنَّ بِي إِلّا قَاتِلِي، انْظُرُوا إِذَا أَنَا مِتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ، ولا تُمَثِّلُوا بِالرَّجُلِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّـهِ(صلى الله عليه واله ) يَقُولُ:
    إِيَّاكُمْ والمُثْلَةَ ولَوْ بِالكَلْبِ العَقُورِ»[6].

    [1] - (نهج البلاغة: الخطبة 55).
    [2] - سورة الملك: الآية 10).
    [3] - (نهج البلاغة: الوصية 13).
    [4] - (نهج البلاغة: الوصية 14).
    [5] - (نهج البلاغة: الوصية 14).
    [6] - (نهج البلاغة: الوصية 47).

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X