تويت
(1)
منذ فتحت عيني لم أر جدي ولم يعد لدى اهلي سوى ذكرى مجاهدة، ولكني اتذكره عند كل مأتم شهيد او لافتة تأبين أو انفجار... الجميع يصر على اني اشبهه الى حد غير معقول. وهذا ما أكده الشهداء ايضا ولكن السؤال الذي حيّرني: هل هو من يرى كربلاء فيّ ام انا الذي اراها فيه؟ ياجد الى هذا الحد تعشقون كربلاء وتحتفظون بتواريخها؟
:ـ يا بني التاريخ جزء حي فينا نتذاكره حاضرا ينبض به يومنا، ونتأمل به غدنا. هنا نلتقي بملوك وامراء ورجال اصلاح وضعوا بصمات ولائهم عمرانا في الروضتين المقدستين في كربلاء. قبل ايام زارنا عضد الدولة البويهي هذا الرجل الذي اعلن التشيع وشيّد القبة المنورة وعمارة الروضة العباسية، هل تستغرب ذلك يا ولدي؟ فانظر الى هؤلاء الشهداء اغلبهم يمتلك علاقات طيبة مع الشاه (طهماسب الصفوي) هذا الرجل الذي قام بتزيين القبة السامية لحرم أبي الفضل العباس عليه السلام بالقا شاني سنة 1032هـ قلت: مهلا يا جد أليس هو الذي بنى شباكا على الصندوق ونظّم الرواق وصحن ابي الفضل عليه السلام وعلى ما اتذكر بنى البهو امام الباب الاول للحرم وفرش الروضة العباسية بفرش ثمينة.
:ـ نعم هو يا ولدي...
قلت:ـ اختلطت علينا الاوراق يا جد فالتواريخ قريبة عن بعضها البعض. والاسماء كثيرة والاعمال متقاربة من حيث الانجاز للتقادم الزمني. فاجابني الجد بابتسامة رضا: هذا صحيح فبعد ذلك بحدود الثمانين عاما فقط اهدى (نادر شاه) تحفا نادرة، وزيّن بعض تلك المباني بالقوارير. وبعد اقل من عشرين عاما زار احد وزرائه كربلاء. فجدد صندوق ابي الفضل عليه السلام، وعمّر الرواق، واهدى ثريا يوضع فيها الشمع لانارة الصحن الشريف.
عقّب احد الشهداء: هذه قرأتها في كتاب قمر بني هاشم للسيد عبد الرزاق المقرم، وبعد مئة وسنة وثلاثين عاما أمر (محمد شاه) وهو حفيد (فتح علي شاه القاجاري) بصنع شباك فضي لضريح العباس عليه السلام وأكمل الجد وبعد عشرين عاما اي في سنة 1259هـ عمّر سلطان مملكة أود في الهند (محمد علي شاه) بقعة الحرم... قادني صمتي الى مسألة مهمة، حيث لم اجد فيهم من يتحدث عن نفسه او عن ملحمة استشهاده حتى ايقنت ان الانا تموت عند هؤلاء الناس بموت الجسد. ولاحظت ايضا: ان الاشياء الحزينة لاتستوقفهم واعتقد لكونهم ينظرون اليها بمعنى آخر أكثر سموا فالاحزان سلالم مجد بها يرتقون الى حيث الرفعة التي هم فيها. يسألني الجد: كيف عرفت ذلك؟ قراءة ذكية من جدي لافكار لم ينشرها المنطق بعد.
:ـ اخذتنا التواريخ ياجدي وتجاوزنا حادثة الوهابيين دون ان يقف احد منكم عندها ليحدثني عن اضرارها وعن عمران ما بعد الحادثة؟
قال الجد:ـ افرحتني يا ولدي كثيرا بلقائك فانت تتمتع بنباهة رائعة. وهذا ما أكده لي اغلب الشهداء الذين التقيتهم فحادثة الوهابيين كانت عام 1216هـ وهم نهبوا خزائن الروضتين المقدستين واخذوا النفائس والذخائر الثمينة النادرة ونهض حينها السلطان (فتح علي) وجدد ما نهب من الروضتين وعمّر قبة العباس عليه السلام بالقاشاني وصنع الضريح الفضي سنة 1227هـ.
قلت:ـ مهلا جدي هل هو الرجل الذي ذهّب الايوان؟ فقال لي: كلا يا ولدي فمن سعى لتذهيب الايوان هو الحاج (شكر الله بن بدل بك الافشاري) بايعاز من زين الفقهاء الشيخ (زين العابدين الحائري) واسمه مدوّن في الجانب الغربي من جدار الايوان على صفائح الذهب وتاريخ الكتابة سنة 1306هـ اما الايوان الصغير ايوان الذهب انشأه السلطان (محمد علي شاه) وقامت باطلاء جزء منه عقيلة (ناصر الدين شاه القاجاري) والباقي طلاه السيد حسن (مقتدر السلطنة ) سنة 1319هـ.
:ـ والسقوف ياجد؟
امر السلطان (عبد الحميد العثماني) بتسقيف البهو بالخشب الساج والزان سنة 1306هـ.
:ـ والارضية؟
:ـ كان هناك رجل ثري من ايران واسمه الحاج (حسين حجار باشي) رصف هذا الرجل ارصفة الروضة العباسية بالرخام. ويروي اهل ذاك الزمان بأن الرخام كان مخصصا لقصر كليستان. واكمل الجد حين شعر بنضوب اسئلتي... اما الساعة الدقاقة في الروضة العباسية تبرع بها الحاج (أمين السلطان) سنة 1311هـ وهي نفس الساعة الموجودة الآن وأشرف على نصبها فضيلة المرحوم السيد (علي القطب).
قلت: ياجد أليس هو الرجل المتصوّف والذي يقال انه جاء من مازندران.
فاجابني مبتسما: نعم هو... فتشجعت على الموضوع وعقبت: قرأت عنه في كتاب (مدينة الحسين) فهو قد تزوج من ابنة احد التجار في الكاظمية وبنى قصرا عظيما في كربلاء.
ما ان سكت جدي حتى عقب احد الشعراء اما الاطراف الاربعة للروضة العباسية المقدسة فقد شيدها الحاج (محمد صادق الشوشتري) سنة 1305هـ.
:ـ والمأذنتان؟
:ـ بلطها المرحوم السيد (محمد حسين صدر الاعظم) بالقاشاني.
قلت: ياجد ذكر السيد (سلمان هادي آل طعمة) في كتابه (تراث كربلاء) لدى اجراء الاصلاحات للصندوق الخاتمي وجدوا عبارة (يا ابا الفضل ادركني - سنة 1246هـ). عقب احد الشهداء: ان (محمد شاه بن عباس القاجاري) هو الذي تبرع بالشباك الفضي للمرقد المبارك...
فجأة ابتسم الجد ونظر إلي: بني لدي سؤال لك؟ قلت: سل ياجد؟
فقال: لك صديق شاعر تفاخر في عدة قصائد بجده النواب. وقال: انه جاء بخشب الصندل من الهند فهل عرفت جده وما الذي قدمه لصحن أبي الفضل العباس عليه السلام؟
قلت:ـ لاوالله ياجد...
:ـ انه يقصد جده النواب (بهراء) هو الذي جدد سقف ضريح العباس بالخشب الجاوي والزان وباشراف المرزا (محمد باقر الراجة الحائري) واما النجار الذي قام بزخرفته فهو (باشي اسطه اسماعيل).
قلت: ياجد ذكر السيد (سلمان بان السيد مرتضى آل ضياء الدين) سادن الروضة العباسية العباسية قام باكساء داخل الرواق القبلي بالفضة وفي عام 1955م تم تذهيب قبة العباس عليه السلام وذلك على عهد (مكي الجميل) متصرف لواء كربلاء وفي عام 1385هـ احتفلت كربلاء بوصول الضريح الاثري الجديد لمرقد العباس عليه السلام 400 الف مثقال فضة و8000 مثقال ذهب. واستغرق العمل فيه ثلاث سنوات وتم انجازه في اصفهان ونصب بحضور سماحة السيد محسن الحكيم... وحين انفض جميعهم من حولي عرفت ان موعد الصلاة قد حان.
أعجبني
تعليق
مشاركة