عَينَ المهتمين بتنمية المهارات البشرية اصعدة عديدة في الحياة وعلى الانسان الحرص على تطويرها ومتابعتها والعمل على تحسينها باستمرار ، وهي : الصعيد الصحي، المالي، الاجتماعي، العلمي، العملي، الشخصي، والصعيد الروحي.
ومن المؤكد ان قدرة الانسان على وضع خطة نمو متوازنة لهذه الأصعدة دليلا على تحقيق الهدف الالهي في خلافة الأرض كما ارادتها المشيئة الربانية، لأنها تهيأ له فرص اللحاق بركب الناجحين والصالحين والرساليين.
وهنا لابد من المرور سريعا على اهم تلك الاصعدة وصولا الى ما نود التوسع به في الاخير عبر صعيد التنمية الروحية والنفسية في زيارة الائمة عليهم السلام .
فعلى الصعيد الصحي يقتضي الالتزام بنظام غذائي صحي ، والمداومة على ممارسة الرياضة ، ولو الاكتفاء بالمشي لمدة نصف ساعة في اليوم، ويعد هذا الجانب الداعم لكل الأصعدة، فان استقر تعاقبت كلها بيسر وسلاسة، اما العكس فيعني اعلانا لتوقف باقي الاصعدة او تلكؤ مسارها.
وعلى الصعيد المالي، فينصح اذا كان عمل واحد لا يكفي لتلبية الاحتياجات اليومية، كان من الضروري التفكير في الحصول على عمل ثاني، او التخطيط للحصول على مشروع جديد، أو مشاركة الآخرين في عمل يحقق الزيادة و ينمي رصيد الفرد.
اما على الصعيد الاجتماعي والأسري ؛ لابد من المحافظة على الأواصر الاجتماعية لأنها نقطة فيصلية في ترسيخ العلاقات وتوسيعها، وبناء تواصل فعال يقرب المسافات ويمهد لحياة انسانية بناءة.
وهكذا وصولا للصعيد العلمي؛ فعلى الانسان الا يكف عن العلم والتعلم طيلة حياته والا يكتفي بحصوله على الشهادات الاكاديمية، بل عليه الاستمرار والبحث في الدائرة الأوسع من المعارف والعلوم وتنمية قدراته الفكرية، فمتى ما كف عن تلقي العلم عُد حتما من غير الاحياء.
اما الصعيد العملي؛ يظهر عبر الاهتمام بالجانب المهني ووضع خطة للتطوير والارتقاء بالعمل، والحصول على ترفيعات وظيفية، لأن العمل هو أساس حياة المرء ومصدر دخله وبه ينطلق لتحقيق تطلعاته الاخرى.
وعلى صعيد الجانب الشخصي؛ فغالبا ما يهمل الانسان هذا الجانب نتيجة مسؤولياته وانشغاله في جوانب الحياة الاخرى، لذا يتحتم الا ينسى المرء نفسه التي هي الأحق بالاهتمام وإعطاء الأولوية من خلال تطوير الذات وكسب المهارات وترك السلوكيات البذيئة، وتحقيق فارق على مستوى التفكير والانجاز .
وصلنا الى زبدة الحديث ومحط رحال المقال الا وهو تنمية الجانب الروحي، ان نماء هذا الجانب أشبه ما يكون بنماء الأرض وإزهارها، لاحظ ان وجود التربة والشمس غير كافية للنمو في ظل انقطاع رافد الماء، وهكذا حال روح الانسان فهي تحتاج دائما لمنهل تشرق منه ازهار دوامها ، لتحيا براقة صافية ..
فكما ينتفي الزرع بعدم وجود الماء تذبل الروح وتنطفئ اذا غادرت معالم احياءها ، فأي معالم تستلهم الروح قبسها، واي اجواء لابد ان تعتنقها بشكل دائم لتوثق العلاقة مع الخالق عز وجل الذي هو سر ومصدر سعادتها.
ان الجانب الروحي يزدهر في ظل الاتيان بجملة من الافعال والمداومة عليها ومن اهم تلك الافعال الارتباط بالله تعالى ونبيه وزيارة مراقد الائمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام، إن في تلك الزيارة اثرا كبيرا في ذات الانسان المؤمن بما تحدثه من تطهير للنفس واشباعها بأجواء الروحانيات المقدسة التي تدور في مناخ قبب ومنائر اهل بيت العصمة عليهم السلام.
ان قول العبد وهو يحث الخطى لزيارة احد ائمة اهل البيت قائلا: «اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة، اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد ومماتي ممات محمد وآل محمد... »(1) ، كفيلة بان تحدث ثورة نفسية توقد من خلالها مواثيق العهد مع الله تعالى ودعوة مخلصة للتمسك والحفاظ على دينه والسير على نهجه.
وان بقاع فاحت من بين جنباتها انفاس الملائك وهي تحوم فوق اضرحة القداسة قادرة على تحويل تلك القطعة من الارض الى واحة من الجنة بأنسامها الزاكية والهامها الروحاني الخلاق، الذي يفعل فعلته السحرية مع الوافدين والعشاق عبر التزود من نهج أهل البيت والتحلي بأخلاقهم، والسير على خطاهم التي عبدت الطريق فكرا وثورة واصلاحا.
وان التشرف بزيارة تلك المشاهد المشرفة تعد محطات هداية روحية، واجتماعية تبث الوعي الفكري والبناء الروحي، وقد شرعت جنان الأرض ابوابها طيلة أيام السنة تغذي الزائرين بالعزم، والإرادة والبصيرة النيرة.
وما ترديد زائر في فناء احد الائمة الابرار: «أشهد أنك أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده وصبرت على الأذى في جنبه، وعبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين، »(2) ، الا اقرار بجهود وجهاد الامام (ع) ، واظهار فضائله في دنيا الاسلام ، وبيان عظمة الرسالة التي ضحى من اجل احيائها بالغالي والنفيس.كما ان زيارة مراقد اهل بيت رسول الله(ع) تعد ارتباطا بخط الأنبياء، والصالحين، و حلقة موصلة لركب الدعاة والمصلحين، لأنها تمثل عملية تواصل شعوري ووجداني مع مسيرة الخيرة من عباد الله اولئك الذين اصطفاهم الله لحمل الرسائل السماوية.
ولعل من ابلغ المناجاة الناصعة تلك التي نقرأها بخشوع في زيارة وارث للإمام الحسين (عليه السلام):
«السلام عليك يا وارث علم الأنبياء، ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث إسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله... ».(3)
وبناء على هذا الفهم تكون زيارة أهل البيت (عليهم السلام) عملية إعداد روحي، وتنمية ذاتية فعالة، وبناء فكري، وترابط اجتماعي، وتصعيد ثوري، لتحد قوى الطاغوت واهل الضلالة، لذا كان من اللازم الاهتمام ومتابعة الجانب الروحي لأنه مصدر الوقود الذي يزود ويضخ كل تقنيات النماء والثراء للعبد المؤمن حتى يلاقي ربه وخالقه بوجه مستبشر حسن، وهو غاية المراد ومنتهى المطالب.
الهامش:
(1) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ٢٩٢
(2) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٩ - الصفحة ٢٣
(3) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩٨ - الصفحة ١