(كتاب البناء عند قبور الأنبياء والأولياء شاهدا)
لايمكن لأي منجز أن يتوشح بالجواذب المؤثرة، دون القدرات الفنية التي من شأنها ان تضع الغاية او المقصد في الاطار المناسب، فلذلك نجد ان سلسلة المشتركات الفقهية بين السنة والشيعة، في كتابها الاول المعنون: (البناء عند قبور الانبياء والاولياء عليهم الصلاة والسلام) وهي إحدى اصدارات وحدة الدراسات في شعبة الاعلام، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة.
وقد تم التركيز على البعد الخلاق في التعبير الأمثل، لإعادة التفكير في أهمية النشاط كاتصال تدويني، حملت مقدمته رفضها للتأويل التكفيري المحرِّض على الفرقة والهتك ببعض المعتقدات الاسلامية، ولإبعاد التشويشات المصطنعة، لابد لها الارتكاز على معالجة مرجعية مرتبطة بشرعية البناء، من خلال التوثيق المرجعي الأساسي للتشريع الاسلامي القرآن والسنة... لإعطاء حرية الحركة للتعابير الاستدلالية الموثقة، في يقينية لاتقبل الشك والتسويف، ولذلك شاء المقصد الموجه في صرح التدوين التمهيدي، سرد بعض الشبهات المتمنطقة، والتي تدلي بتحريم زائف، روّجته بعض المدارس التكفيرية...
وبما ان لكل ثقافة نماذجها الخاصة، ومنظوماتها العلمية، فلذلك انتهجت قصدية المنجز بجمع المشتركات الفقهية الجامعة للمسلمين، سعيا لتوسيع دائرة المشترك الفقهي العام، وابعادها من دائرة الصراع، لكونها تمثل جوهرا واحدا، فالارتكاز على المرجع القرآني بتفسيريه (الشيعي ـ السني) من أجل اعطاء نموذج استدلالي لايرد، عبر ما ورد في قوله تعالى:
(فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) سورة الكهف: 21
فسعى المنجز الى خلق تآلف فكري، عبر القيم التفسيرية من كلا المذهبين، فاستشهد بأقوال الطبري، والسيوطي، وتفسير الثعلبي، يقابلها تفسير السيد شبر، وتفسير الميزان للسيد محمد الطباطبائي، والتفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وليستلهم الدليل الثاني من السنة النبوية الشريفة، لكي يترك لحمولة القصد التدويني، تأمين الاجابة المدركة الموثوقة من أقوال رسول كريم، وبشهادة الفريقين، فأورد عدة استشهادات عن صحيح مسلم، والنسّائي، وابن ماجة، عن أبي بريدة، وعن ابي هريرة، وعن عائشة، حيث اجمعوا على رؤيتها كسنة نبوية.
وأما استدلالات المذهب الشيعي فهي كثيرة في هذا المنحى، وكذلك في ثواب زيارتها بما رواه الفريقان للقضاء على التمويهات المضمرة لبعض القصديات المتطرفة، وتعرية مصادر التوتر من شرعيتها، اذ تطرق المنجز لظاهرة الصلاة عند القبور، من خلال ما جاء في المستدرك للحاكم: (ان فاطمة الزهراء (ع) كانت تزور قبر عمها الحمزة كل جمعة، تصلي، وتبكي عند قبره)، وهي سنة مسنونة، حسب مورد المستدرك، وصحيح البخاري: (لقد صلى الرسول (ص) على قتلى احد بعد ثماني سنوات).
واما عند مدرسة اهل البيت عليهم السلام، فاستشهد بعدة مصادر، تشهد بشرعية الصلاة، مرتكزا على سيرة الرسول والصحابة، في عدة مصادر من المذهبين، فكان اشتغال المنجز على الموجز المضغوط والوافي، من خلال تعددية المسارات داخل موجهات القصد، فتراه استمد دليله من سيرة المسلمين في البناء عند القبور، ولذلك ورثنا المساجد، والمراقد، وقباب مراقد الانبياء والاولياء.
واستند على تجربة عربية رائدة في مجال الرحلات (ابن بطوطة) الذي كان شاهد عصره على وجود مزارات مصر، والشام، والحجاز، حيث مرقد الحسن عليه السلام، ومالك، وفي آخر البقيع قبر عثمان، وفي مكة قبر نبي الله اسماعيل، وقبر امه هاجر، ومن ثم مزارات البصرة، وبغداد، ومراقد اهل البيت عليهم السلام في النجف، وكربلاء، والكاظمية، وسامراء، وخراسان.
لقد تمثلت قصدية المنشأ بمداخلات تقاربية، انطلاقا لمواجهة الضد الفكري، تحت مسميات رد الشبهات، فرسم طريقا واضحا للاشتغال باتجاه التباين الذي استشهد بإبن كثير، والذي تعرّض لرد نفس المدرسة الاجتهادية، اذ رده ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري)، والقسطلاني في (ارشاد الساري) بعدة استشهادات حية يافعة، مثل صلاة عائشة عند قبر النبي (ص) وبعدها انطلق السعي القصدي لوضع الفارق البيِّن بين التعظيم والعبادة الشخصية، ومسألة التبرك.